المقدمة:
يتحدد موقع الإنسان في الإسلام في ضوء مبدأ الاستخلاف ، الذي يقوم على قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ...} البقرة:30، والخلافة في الأرض أرقى مكانة وضع فيها الإنسان على مر التاريخ.
يستمد الإنسان فاعلية هذه المكانة من القرآن الكريم الذي حدد المضامين الأساسية لهذا الدور بوعي الدين والتمسك به، وممارسة العلم ومتابعة المعرفة، فالاستخلاف دين وعلم، وما مشكلات الأمة وتخلفها إلا من التقصير الكبير في إدراك الاستخلاف ومقاصده في إعمار العالم وسعادة الإنسان.
ولأن الاستخلاف دين وعلم، فهو يرسم حدود النهضة الحضارية والسعادة الإنسانية، باعتماد العلم ومنطقه في صياغة نشاطات الأمة المتعددة السياسية والاجتماعية والثقافية.
تحتاج الأمة اليوم إلى إحداث ثورة في المفاهيم كافة، وأهم هذه المفاهيم هو (الاستخلاف)؛ لأنه المفهوم الجامع لقوتين: النهضة والتقدم.
ولذلك فإن (ثورة الاستخلاف) تعد ضرورة شرعية وحضارية، فشرعيتها مستمدة من التمسك بالقرآن الكريم مصدرًا أساسًا للشريعة، وحضاريتها مستمدة من وجوب تطبيق أحكام القرآن الكريم وإعادة إعمار العالم في ضوئه، مستنيرين بهدي الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- في بناء حضارة الإسلام.
ويقف النشاط الاقتصادي في مقدمة النشاطات التي تحتاج الاهتداء بمضمون (الاستخلاف) ، لينضبط أداؤه بالمنهج الرباني والأسس الربانية والأحكام الربانية.
يعتمد (اقتصاد المعرفة) العلم والخبرة والمعرفة، كونها السلع الأكثر تأثيرًا في حركة الحضارة اليوم، وأكثر أدواتها إسهامًا في تحقيق الابتكار والسعادة.
يسعى البحث إلى تحليل أبعاد (اقتصاد المعرفة) وتأثيرها في عملية الابتكارعلى الأصعدة كافة، وصولًا إلى تحقيق النهضة الإسلامية التي تحقق السعادة الحقيقية للإنسان في الدارين بتضافر العلم والدين.
يقوم البحث على فرضية مفادها "اقتصاد المعرفة مطلب شرعي يقود إلى الابتكار وتحقيق سعادة الدارين".
الكتابة للطفل ليست غاية في حد ذاتها أو سبيلا لغاية، بل هي غواية عند الأديب المحب المجد، يقصدها الجامحون المولعون بلا تطلعات أو أهداف ذاتية، هم يتلذذون إذا كتبوا، ويستمتعون إذا انتهوا، لا يمنعهم بلاء ولا وباء، ولا قلة نشر أو انتشار، ولا مانع من الموانع من المضي قدما كالثوار، مؤملين النفس بجيل من الأحرار، يمشون بصبر وإصرار، ولا يملون الانتظار، حتى وإن لم يكن الحصاد الطيب سريعا وفيرا، وكانت الظلمة السخية على الدرب جاثمة والأنوار الساطعة ضعيفة باهتة.
الكلمة التي أكتبها أسعى لكي تكون منبر عطاء وبناء، لا آلة هدم وإفناء، فكم من شيء قدم للأطفال أساء وكم من نوايا صالحة أضرت أكثر من النوايا الطالحة. وأومن بأن على كاتب الطفولة المبدع أن يحصِّن نفسه ويعدها الإعداد الأمثل، ويتزوَّد بكثير من الأدوات حتى يقدر على ولوج الزمن واختراق المدى، وصولا إلى عالم الطفل الصغير. وتزداد خطورة وأهمية أدب الطفل حيث يقدم له عصارة فكره، ويلهم خياله بكرم وسخاء، ويبني مجد مستقبله بعيدا عن آفة الغلو والتعصب والكراهية والعنف والفساد.
وتشرفت خلال رحلتي الطويلة نسبيا في عالم أدب الطفل وإعلامه بلقاء عدد كبير من الكتَّاب المجيدين الذين تحمسوا كثيرا في بداية مشوارهم لأدب الطفل، بَيدَ أنَّ معظمهم كما تحمسوا؛ انحسروا مرة واحدة. ومنهم من آثر الابتعاد بهدوء دون صخب، ومنهم من هجر الأدب والإعلام كلية، ومنهم من يئس وتوجه لوجه أدبي وإعلامي آخر، لأسبابه الخاصة، أما أنا، فما زلت - كما بدأت - أحني رأسي تأدبا وإجلالا أمام سمو الطفولة ومكانتها، وكأني أسيرها.
يالَهذا الواقع المُوجع العديم التهذيب! هذا الواقع نفسه هو مَعْجَن الكاتب؛ منه يستمد حكاياته، وبسببه يكتب. ولأن هذا الواقع لا يخلو من أمراض، ولأنّ جمال الواقع ليس سببا كافيا للكتابة دوما، لا بد إذًا من استفزازٍ يحرّك مياه الكتابة العزيزة. ويمكن لمنظر جميل أن يلهم لوحة أو قصيدة، لكن حين الحديث عن كتابة معرفية فكرية تثير الأسئلة، وتنزع الأعشاب الضارة، فإن الجمال ليس محفزا رئيسا للكتابة "التثويرية"، لأن الكتابة عن الجمال والاتساق احتفال واحتفاء وقتي بلحظة، بومضة، بعارض يعرض على الواقع. أما الكتابة التأصيلية، فمحركها الرئيس استفزاز، قد يكون على شكل تقزز من الواقع أو غضب منه، أو خوف، أو قلق، أو دهشة، وفي بعض الأحيان القليلة انبهار بجمال فائق.
السؤال هنا، كيف يمكن للكاتب أن ينقل هذا الواقع المريض ويعرضه؟ لا يمكن قبول التجميل هنا، وأي تزيين هنا هو تزييف لا محالة، فالأديب ليس مزيِّنا أو خبير "مكياج". لكنّه أيضا ليس صحافيا ينقل الخبر بدقة وتفصيل، فالأديب ليس كاميرا!
وهنا يمكن أن نتفذلك كثيرا، وننظّر، وندبّج، ونتشدق بالماينبغيات، والمفروضات، والمأمولات. سنثرثر كثيرا، وسيُودي الواقع المريض في أثناء ذلك بضحايا كُثر. لكنْ لا بد أن نحسم الأمر، ونرسم خريطة الطريق، ونعثر على الملقط المناسب لاصطياد جرثومة الواقع الموحل، وعرضِها على القارئ دون أن يتسخ أي الطرفين –الكاتب أو القارئ- بها.
أرضية المسرح خالية، بلا ستائر تغلقها، مظلمة، إلا من بقعة ضوء دائرية تتوسط المكان، لا توجد موسيقي ولا أي شيء يوحي بأن هناك عرضًا مسرحيًّا يوشك على البدء، الصمت والسكون يسيطران على كامل الأجواء.
يظهر من جانبي المسرح شخصان متقابلان يمشي كل منهما باتجاه الآخر بآلية في طريق مستقيم لبقعة الضوء التي تقع بينهما، يتوقفان عن السير فجأة، وينحنيان، ولكن ليس في مواجهة المشاهدين أمامهما، بل كل واحد منهما في اتجاه الآخر.
القادم من اليمين يرتدي ملابس بيضاء تمامًا حتي قبعته وقفازاته بيضاء اللون، وجهه فقط هو الذي يظهر بالكاد بلونه الطبيعي وملامحه العادية، أما الآخر القادم من اليسار فمثله تمامًا، مع اختلاف أنه يرتدي السواد.
يكملان السير ويقفان مباشرة عند حدود بقعة الضوء الدائرية، كل منهما في مواجهة الآخر، تحجب قبعتاهما سقوط الضوء المباشر علي وجهيهما، فلا يلاحظ من ملامحهما إلا بقع ضوء غير مباشرة وظلال معتمة، ليزداد موقفهما غموضًا!
الأبيض: أهلا بك .
الأسود: (محتجًّا) لماذا بدأت أنت الحديث أولا؟!
ياقوت الحموي يترجم للرازي:
"هو محمد بن عمر بن الحسين فخر الدين، أبو عبد الله الرازي، الفقيه الحكيم الأديب المتكلم المفسر العلامة، فريد دهره ونسيج وحده، فخر الدين أبو عبد الله القرشي التيمي البكري الطبرستاني الأصل، الرازي المولد، ابن خطيب الري الشافعي الأشعري:
علامة العلماء والبحر الذي ... لا ينتهي ولكل بحر ساحل
ما دار في الحنك اللسان وقلبت ... قلما بأحسن من ثناه أنامل "
ولد فخر الدين الرازي سنة أربع وأربعين وخمسمئة للهجرة، وتتلمذ على والده الإمام ضياء الدين، وكان من تلامذة محيي السنة أبي محمد البغوي، وكان إذا ركب يمشي حوله نحو ثلاثمئة تلميذ، فقهاء وغيرهم، وكان خوارزم شاه يأتي إليه. [1]
* مقدمة:
{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: 59].
أما بعد، فقد يبدو العنوان غريباً للوهلة الأولى. ولكن بعد التأمّل الجيد فيما سأعرضه وأبيّنه في هذا المقال، ستتجلى حقيقة الأمر، بإذن الله تعالى.
إن أكثر المثقفين المسلمين يجهل حقيقة علم أصول الفقه، ويخلط بينه وبين الفقه، فيحسب أنه أمهات مسائل الفقه، فكان لا بد من بيان حقيقته باختصار، ثم تمييزه عن علم الفقه، لأنتقل بعد ذلك للدخول في صلب الموضوع، والوصول إلى بيت القصيد.
أما الفقه، فهو في أشهر تعريفاته: "العلم بالأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية". وكذلك يُطلق على الأحكام الشرعية العملية نفسها، من عبادات ومعاملات، ونحوها.
وأما علم أصول الفقه، فهناك عدة تعريفات له، تختلف بألفاظها وتتقارب بمعانيها، وليس المقام مقام عرضها والمقارنة بينها. ولكنني سأختار هنا أحدها، وهو تعريف جمهور الأصوليين؛ لأنه الأوضح والأقرب إلى تحقيق غرضنا.
ينص هذا التعريف على أن علم أصول الفقه هو: "العلم بالقواعد الكلية التي يتوصّل بها المجتهد إلى استنباط الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية".
الصفحة 22 من 433