وحدكم تُقتلون
وحدكم تُصرعون
وحدكم تُحرقون
وحدكم تُصلبون
غاب عني صديقي زمنا، فسألته عن غيابه بمكالمة هاتفية قصيرة، فقال: ليس لدي وقت.. وسألت آخر -وكان رساما مبدعا- لم لا تنشر؟ فقال: ليس لدي وقت، وسألت زميلا لي في العمل: هل تمارس الرياضة؟ فقال: ليس لدي وقت..
وكنا نحفظ في دروس التعبير: الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، ولا نعي معناها تماما، ونقرأ أيضا: الوقت من ذهب، ومع ذلك نشعر بالملل.. وسألت نفسي مجددا: لمن الوقت إذا؟ وكيف يتم القبض على الساعات والدقائق بالأصابع قبل نفادها؟
ذلك الوعاء المملوء بكل شيء، ولكن هل يتم استغلاله؟
"فاشِنستا"، اللفظة قديمة، وتعود لعشرين عاما تقريبا. الأصل في Fashionista (المسبوكة من كلمة إنكليزية ولاحِقة إيطالية) أن تُطلق على المتعلّقين بآخر طرازات اللباس، أو الموضة. وهذه ظاهرة أقدم من هذه الكلمة بطبيعة الحال. لكن منذ بضع سنين، في عالم وسائط التواصل الاجتماعي، اكتسبت الكلمة معنى جديدًا وذا زخم.
ثقافة الاستعراض
في العالم كلّه، صارت وسائل التواصل الاجتماعي المعتمدة على الصُور (مثل الإنستغرام والسنابتشاب) وسيلة للاستعراض البصري. وهذا لا يقتصر على بقعة أو فئة معينة. فنجد ثقافة الاستعراض هذه باديَة، حتى صار الأطفال يفتحون قنوات على اليوتيوب ويستعرضون فيها يومياتهم، وآخر ما اشتروا، وأحدث ما صنعوا. صار لكلٍّ منبر، ولكلٍّ منصّة في سوق كان في يوم ناديًا حصريّا لأهله المُختارين.
لم تراوح قضية العامية كلهجة مكانها؛ ففي أدبيات علماء العربية الفصيحة وكذلك الذين ينافحون عن الإسلام اتهام ثابت رسَّخوه في أذهاننا منذ مطالع الصبا أنه ليس هناك من خطرٍ أكبر وأقدر على اللغة العربية ودين الإسلام من تلك العامية اللعينة، فعشنا ونحن نحس بالذنب يوميًا من اعتياد الحديث بها، فجعلنا جُل اجتهادنا في التحدث بالفصحى إلى درجة الدخول في حوارات يومية بالفصيحة البليغة بيني وبين أصدقائي بالساعات ونحن نتهارش باللفظ الحوشي المستغرب المستهجن، وكلما أغرقنا كلما أثبتنا جدارة الاصطفاء لشرف الانتساب إلى أهل تلك اللغة.
1- الدرس الثقافي والتاريخي في الحراك العربي.
إذا كانت من حيلة قد انطلت على العرب المعاصرين فلن تكون غير السقوط كضحية أو فريسة في براثن وهم الإعلام المعولم والموجه والهدام في الآن نفسه، والذي يشكل في الحقيقة من حيث التأثير والتوجيه قوة طيعة في خدمة الدوائر الاقتصادية والسياسية العالمية المعاصرة، وريثة الاستعمار أو الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، الشركات العابرة للقارات ولوبيات الطاقة وصناعة وتجارة السلاح. على أساس أن صراع المصالح قد أرخى بظلاله المعقدة أمنيا وعسكريا على ضفة البحر الأبيض المتوسط ودوله وثقافاته من مصر وليبيا وتونس. والمغرب وما أدراك ما موقعه الطوبوغرافي وأهمية مناعته الأمنية والسياسية في المنطقة: أي مفترق طرق القارات الخمس في اتجاه أوربا، أفريقيا وآسيا.
هل هي الصدفة أم إرادة النسف مع سبق الإصرار والترصد في استهداف دول عربية شرقية ومغاربية؟ أم أن ما يقع هو امتداد طبيعي لما كان يعرف تاريخيا بجدل الاحتلال والمقاومة، والذي له علاقة مباشرة بالصراع التاريخي والحضاري بين الغرب الاستعماري الإمبريالي والوطن العربي؟ والواقع هو أن نظمه التقنية والمعلوماتية الجهنمية قد كرست حركية ارتباط جهات أو فئات محلية بقوى خارجية تشتغل بالوكالة ميدانيا لخدمة مصالحها. وإلا كيف نفسر تطورات الحركة "الاحتجاجية بالحسيمة" بالمغرب والهالة الإعلامية المهولة التي ترافقها في فرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا إلى فضائيات عربية مأجورة؟ وعليه لا يمكن إلا أن نسلم منذ البداية بأن كل الدول العربية مستهدفة في وحدتها وسيادتها في زمن عولمة الذي يؤثثه تدليس الصورة الإعلامية للتطبيع مع كل ما يهدد الإنسانية من عنف وقتل. فإذن لا أحد يستطيع أن ينفي حجم الدمار والتلاشي الذي لحق روافد وأسس الحضارة العربية والذاكرة الإنسانية؛ من عراق وبلاد الشام بسبب ورم ما يسمى "داعش" في العالم العربي.
مع اختيار مدينة الأقصر المصرية عاصمة للثقافة العربية هذا العام -2017- بعد اختيارها في العام الماضي عاصمة للسياحة العالمية، تتجه الأنظار دائماً تجاه تلك البقعة الهامة والثرية من أرض مصر والمسجلة ضمن مواقع التراث العالمي من قبل منظمة اليونسكو كمدينة متحفية شاملة منذ عام 1979، والتي تندمج فيها بقايا العصور البائدة مع حاضر البشر في مساحة تقدر بحوالي 416 كيلومتراً مربعاً.
ومدينة الأقصر حالياً هي عاصمة لمحافظة تحمل ذات الاسم بجنوب مصر وتبعد عن القاهرة حوالي 670 كيلومتراً، تحدها شمالاً محافظة قنا وجنوباً محافظة أسوان وشرقاً محافظة البحر الأحمر وغرباً محافظة الوادي الجديد... ولقد حملت مدينة الأقصر العديد من الأسماء قديماً مثل طيبة ومدينة المدن ومدينة الصولجان ومدينة الأبدية ومدينة المائة باب والمدينة القوية، وبعد الفتح العربي الإسلامي لمصر عام 642 ميلادية حملت طيبة اسمها الحالي - الأقصر- نسبة إلي بقايا قصور ومعابد ملوك مصر القديمة الزاخرة بها.
الصفحة 26 من 433