في ظل خضم الحياة اليومية ومشاغلها وفي ظل تراجع القيم والمبادئ الجميلة للأجيال السابقة وفي ظل الحرص على المصلحة الضيقة وفي ظل قصر النظر، تراجعت قيمة مهمة وهي قيمة الوفاء وبالأخص مع علمائنا وأستاذتنا أهل العطاء؛ مما قد يتطلب إلقاء بعض الضوء على هذه القيمة المهمة.
أولا: معنى الوفاء في معجم المعاني الجامع:
1- الوَفَيُ : الشَّرَفُ من الأَرض
2- الوَفِيُّ : التامُّ
3-الوَفِيُّ : الكثيرُ الوفاء والإخلاص ، مَنْ يفي بتعهُّداته ويقوم بواجبه.
ثانيا: معنى الوفاء اصطلاحا
هناك مَن يفهم تعويد الأطفال على المساجد خطأً. إحضار الصغار جدا إلى المسجد في رمضان لن يجعلهم يتعوّدون عليه وعلى الصلاة، بل سيجعلهم يكبرون ظانّين المسجدَ ملعبا. ومن ناحية أخرى، فأنّ إحضار الصغار إلى المسجد ثم تصميتهم ونهرهم كلما أحدثوا جلبة، تجربة سيئة ومنفرّة للأطفال، تجربة قد تجعلهم يكرهون المسجد في دخيلتهم، ويرونه مكانا للقهر والمنع والقمع.
عتبة الانزعاج بين الناس تختلف. وكونك تقدر على التركيز والخشوع في ظل صراخ صغارك أو حركتهم الدائمة، لا يعني أنّ جميع من في المسجد لديهم هذه القوة الخارقة. وكونك تستملح قفزاتهم الظريفة وأصواتهم اللطيفة، فهذا لأن "الكذا" في عين أمه غزال! وهو أمر لا ينطبق على بقية المصلّين بالضرورة.
وأنا هنا لا أتكلّم عن صلاة الفريضة، حيث قد يصدف أن يأتي وقت الصلاة ومع الأب أو الأم أطفالهم، فيدخلون للمسجد للصلاة، ولا أتكلم عن الأطفال فوق سن التمييز الذين يمكنهم الوقوف بخشوع في الصف، أو على الأقل الجلوس بهدوء. أتكلم عمن يصطحبون أطفالهم الصغار لصلاتي التراويح والقيام في رمضان.
للتو فرغت من كتاب (حياة في الإدارة) لغازي القصيبي رحمه الله، صدر الكتاب عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت دون تاريخ، ويقع في 308 صفحات من القطع المتوسط، شدني جدا فيه أسلوب القصيبي الأدبي وبلغة هادئة سلسة شفافة، والكتاب جزء من سيرة ذاتية مكتظة بكثير من التفاصيل، فالقصيبي الذي ولد في الأحساء وتربي ودرس المراحل الدراسية ما قبل الجامعة في البحرين ثم غادر إلى مصر لنيل الإجازة في الحقوق ومن ثم بعدها حصل على البكالوريوس في العلاقات الدولية من جامعة جنوب كاليفورنيا، ثم حصل على الدكتوراه من بريطانيا، يرسم خطاً متوازياً مع الأحداث فلا يتذكر أشياء دقيقة عن حياته إلا بعد أكثر من خمس سنوات حيث فقد أمه وهو ما يزال رضيعاً فتربى في حضن جدته لوالدته يتيماً، ويسرد القصيبي أحيانا التفاصيل بلا طائل، ويدخل القارئ معه في دهاليز الوظائف التي تولاها، ويخرجه ليبقى على ضفاف الكتاب عن شخصية أشبه بالأسطورة.
تعلمت من أمي وأبي رحمهما الله رحمة واسعة وجعل قبرهما روضتين من رياض الجنة درسين مهمين للحياة:
أولهما- الوسطية في كل الأمور وخاصة في الدين فلا إفراط ولا تفريط:
فقد قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم "إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، ولنْ يشادَّ الدِّينُ إلاَّ غَلَبه فسدِّدُوا وقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، واسْتعِينُوا بِالْغدْوةِ والرَّوْحةِ وشَيْءٍ مِن الدُّلْجة".
كما قال عليه الصلاة والسلام: "هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون".
{gallery}galleries/miskan{/gallery}
لا بدّ أن مضيفي الطائرة يفضّلون الركاب من أمثالي؛ الصامتين، القليلي الطلبات، الغارقين في عالمهم، المنهمكين جدا في الطقطقة على الشاشة الصغيرة أمامهم بأمان. ما لا تعلمونه أعزائي المضيفين، أني كنت منشغلة جدا –ومستمتعة تماما- بتصيّد الأخطاء اللغوية الشنيعة التي تحفل بها خرائط طائرتكم المصونة!
مزيج من الضجر والانزعاج من أصوات الأطفال قادني إلى العبث بالخرائط المتوفرة على "شاشة التسلية" في الطائرة، وإذا بي أرى العجب العجاب. كررت ذلك في أكثر من رحلة، ومع شركتيْ طيران؛ واحدة محلية، وأخرى خليجية. وكانت النتيجة مضحكة، "ولكنّه ضحكٌ كالبُكا" كما قال المتنبي!
أحببت رسائل الأدباء والمثقفين، واطلعت على كثير منها مثل رسائل العقاد والرافعي ومي زيادة وغسان كنفاني وغادة السمان، ورسائل جبران وسواها، ذلك لأن الرسائل جزء لا يتجزأ من السيرة الذاتية لأي إنسان كتبت بظروف معينة، وتؤرخ لحقبة معينة أيضًا، إلا أنني وقعت على رسائل الرصافي مع معاصريه في كتاب شيق لكاتب اسمه عبد الحميد الرشودي جمع فيه 100 رسالة من أقارب وأصدقاء ومعارف الرصافي والكتاب يقع في مئتي صفحة ذيلها برسائل توثيقية بخط الرصافي نفسه صدر الكتاب عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت في العام 1994، والرسائل تغطي الحقبة الممتدة بين عامي 1906 و1934م، كما وثق الرشودي الرسائل بإشارات وإيضاحات وتراجم للأشخاص الذين وردت أسماؤهم في الرسائل سواء أكانوا مرسلين لها أو مستقبلين لها، مع ذكر بعض الأسباب التي دعت إلى كتابتها أحيانًا، ولعل في تلك الهوامش من الفوائد ما هو أعلى قيمة أدبية من الرسائل نفسها حيث تجد الكتب المفيدة، وأسماء : الصحف والمجلات الصادرة في تلك الفترة مع التعريف بأساليب الأدباء آنذاك.
الصفحة 19 من 433