لقد كانت السُّرعة التي انتشر بها الإسلام مقارنة بالديانات الأخرى هي السبب الأكبر في لفْتِ أنظار العالم بعامة، والعالم الغربيِّ على وجه الخصوص، لهذا الدين ونبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقاموا على دراسته تارةً، والحرب عليه تارةً أخرى، وإرسال المُغامرين والمكتشفين للأراضي المقدَّسة بحثًا وكشفًا عن أسراره مرات عدة، مما أدَّى إلى إيمان بعضهم به كدِينٍ، كما فعل عقلاؤهم، أو على الأقل الإعجاب به، فتفرَّغ المستشرقون لدراسة سرِّ انتشار هذا الدين من عصر النبوة وإلى يومنا هذا؛ إذ كان انتشار الإسلام في عهده ـ صلى الله عليه وسلم ـ معجزته، تبقى أيضًا معجزةً له في سرعة انتشاره في عصرنا كدليل صدق من دلائل نبوته الباهرة. والمعجزات التي أُثبتُها لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هي المعجزات التي أثبتَها له كل من قرأ سيرته المطهَّرة من المُفكِّرين والعلماء، فصارت بهذا المفهوم من شهاداتهم باللفظ الصريح "معجزة". أما انتشار الإسلام على عهده ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبعده بعقود، فهو معجزته التي شهد بها وأثبتَها بعضُ الأعلام من الشرق والغرب؛ فمِن الشرق يقول الإمام محمد عبده[1]: "اندفَع المسلمون في أوائل نشأتهم إلى الممالك والأقطار يفتحونها، ويتسلطون عليها، فأدهشوا العقول وقهروا الأمم، وامتدت سلطتهم من جبال بيريني الفاصلة بين إسبانيا وفرنسا إلى جدار الصين، مع قِلَّة عدَّتِهم وعددهم، وعدم تعوُّدهم على الأجواء المختلفة، وطبائع الأقطار المتنوعة، أرغموا الملوك، وأذلُّوا القياصرة والأكاسرة، في مدة لا تتجاوز ثمانين سنة... إن هذا ليُعدُّ من خوارق العادات وعظائم المعجزات!".
كل يوم أكتشف أن الصورة الذهنية الجمعية عند بعض شرائح من مسلمي مصر عن المسيحيين، وعند بعض شرائح من مسيحيي مصر عن المسلمين، تمتلئ بالأوهام، وهذه الأوهام صنعت صورًا ذهنيةً سيئةً في معظم الأحيان، كما أن السينما والدراما التلفزيونية (التي تسمي نفسها واقعية) تقوم بمهمة غير نبيلة حينما تقوم بإعادة بثّ هذه المخلفات الثقافية الرديئة، دون أدنى محاولة لتغييرها، مما يعززها في نفوس معتنقيها، ولا يزيدنا إلا غرقًا في نفق مظلم من الصور الذهنية والأحكام المسبقة السيئة، والأحكام المسبقة المضادة من الطرف الآخر على السواء. لهذا كتبت هذا المقال، محاولةً مني لتصحيح هذه الصور الذهنية الباطلة، التي تكوّن جزءًا من التربة الثقافية للكراهية، والتي هي باطل لا أساس لها إلا الأوهام، ومنافٍ للإسلام تمامًا.
تسعى مختلف التيارات العربية المنتمية إلى إيديولوجيات مختلفة، إلى بلورة تصور متكامل للرقي بأوطانها ومن خلالها الرقي بالأمة العربية ككل، ونقصد بالأمة العربية الدول والكيانات التي تنتمي لثقافات المنطقة التي حكمها العرب منذ الإسلام خصوصًا بمختلف تنوعاتها الدينية واللغوية والاثنية والعرقية والطائفية والمذهبية...، وقد طرحت في هذا السياق عدة نظريات يمكن أن نجملها في تيارين رئيسيين، يضم الواحد منهما العديد من المرجعيات الفكرية والأطر النظرية، التي تتباعد أحيانًا وتتقارب أخرى، وهما التيار الحداثي الليبرالي وهو الذي لم ير بديلًا عن النموذج أو النماذج الغربية لتحقيق أي نهضة مرتجاة في عالمنا العربي ، باعتبار أن ما وصل إليه الغرب لا يمكن، بأي حال من الأحوال، الحياد عنه لمثاليته وكماله على مستوى الإطارات النظرية والتطبيقية التي نشاهد نجاحاتها بأم أعيننا في الأمثلة الكثيرة لنجاحات الدول الغربية، وفي مقالي هذا ليس الهدف نسف هذا الطرح أو إثباته، بقدر ما هو فتح باب لطرحٍ بديلٍ أو تكامليٍّ يمكن أن يسير إلى جانب الأطروحات الأخرى، والتيار الثاني الذي هو صلب اهتمامنا في هذا المقال هو التيار السلفي، والذي أريد أن أضع له تصورًا تصحيحياً سواء لدى المنتمين لهذا التيار أنفسهم أو لخصوم هذا التيار.
إن التجربة المسرحية نافذة رحبة لفضاء التغيير المواكب والمبتكر في فنون المسرح، ويعلم المسرحيون أن ما من مدرسة أو أسلوب في صناعة المسرحية إلا وكان ناتجا عن تلك المحاولات الجادة لاكتشاف أعماق الفن الإنساني متأثرا بظروفه الآنية، لذلك خضت مجال التجربةالمسرحية عندما أسست (مسرح كيف) منذ 2006م و قمت بعدة تجارب وجدَت ما وجدَت من هجوم وتصدي واستهانة في بدايتها لكن الظروف الجيدة خدمت تلك التجارب فيما كان للظروف السيئة دور الحفز الدافعية لمشروعي المسرحي.
ومسرح كيف ينطلق من البحث والتقصي بأسلوب علمي يهدف على صياغة التجربة بشكل (مصنعي) ليحقق من وراء التجربة اكتشافات جديدة في أدوات الصناعة المسرحية من نص وإخراج وتمثيل لذلك يعتمد (مسرح كيف) على أسلوب الصنعة المسرحية الذي يقترب كثيرا من مهمة (الدراماتورجيا) ولكنها هنا بشكل جديد.
لقد ظهر في عام 1769ميلادية مصطلح جديد أو وظيفة جديدة ضمن وظائف فريق العمل المسرحي وهي (الدراماتورج- dramaturh)وتعرِّف الموسوعة البريطانية الدراما تورجيا بأنها تقنية التأليف الدرامي أو التقديم المسرحي. ويقول الدكتور يونس الوليدي في إحدى مقالاته أن الدراماتورجيا تضع أدوات النص ووسائل الخشبة في خدمة المعاني المتعددة والمتواصلة للنص الدرامي، ويرافق ذلك بحسب تعبير الوليدي ضرورة اختيار تأويل معين أو توجيه العرض وفق هذا التأويل.
عرس في حديقة الحيوان هو ما أثار كل هذا! أجل، هناك زوجان اختارا أن يقيما عرسهما في حديقة حيوان لندن في ظهيرة سبت مشمس، ولعلها المكان الذي شهد أول لقاء للعروسين. هذا المشهد الطريف والغريب في آن، جعل رفيقتي في زيارة الحديقة (وهي طبيبة يونانية تعمل في إحدى مستشفيات لندن) تسألني عن تعدد الزوجات في الإسلام. ذاك النقاش الذي دار بيننا جعلني أعيد التفكير بعمق في هذا الموضوع الذي نميل إلى تناسيه وإنكاره. أحيانا يتطلب الأمر شخصا من ثقافة أخرى يناقشك حتى تفكر في بعض الأمور وتعيد وزنها، وأحيانا يتطلب الأمر حدثا طريفا -كزواج في حديقة حيوان- كي يُفتح نقاش مثل هذا.
* * * * *
قبل البدء:
أولا: ثمة أمر على الرجال قبل النساء، وعلى المسلمين قبل غير المسلمين إدراكه، التعدد مباح وليس فرضا وليس مستحبا، هو أمر مشروط بشروط، وليس الأصل في الحياة.
كما أنها مغالطة كبيرة بأن يرى التعدد على أنه رخصة، بل هو في حقيقة الحال تضييق، بل وتضييق مشروط. ففي السابق كان العرب وبعض الأمم الأخرى يعددون دون قيود عددية، بل وكانت بعض النساء في بعض الحضارات يعددن أيضا وإن كان هذا الأمر غير شائع. ثم جاء الإسلام ليقيد لا ليوسع. لذا، حينما يقال أن التعدد "رخصة"، فإن هذا من باب التجاوز المقارني ليس إلا، وحدث ذلك حينما صار اتخاذ زوجة واحدة هو الأشيع، فصار التعدد "رخصة"، بعدما كان تقييدا حينما نقارنه عما كان في الجاهلية.
كما أن بعد هذا التقييد، جاء حضّ في القرآن الكريم. ليس حضا على التعدد، بل على عدم التعدد! {... فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً ...}، {وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ...}
ثانيا: أنه من الواضح أن الرجال –أو معظمهم- يتحلون بقلوب كبيرة! قلوب تتسع لأكثر من امرأة في الوقت ذاته، وهذا أمر تستصعب النساء فهمه لأنهن لم يكن رجالا من قبل. وفي الوقت ذاته، تتحلى النساء –أو معظمهن- بقلوب حساسة، حساسة لدرجة أنها لا تتحمل أن تشاركها أخرى في القلب الوسيع لزوجها، وهذا أمر يستصعب الرجال فهمه لأنهم لم يكونوا نساء من قبل. ولهذا السبب تظهر الوصمات الشهيرة بأن الرجل "عينه زايغة"، و"عينه فارغة"، وأن المرأة غيورة، وأنها مكارة وذات كيد. وكل هذا يشي بأن الجنسين لا يعرفان بعضهما البعض كما ينبغي، ولا يعيان اختلاف تركيبتهما النفسية والعاطفية. وهذا أمر مهم وواجب مناقشته، لكنه أمر تنوء بهذه هذه المقالة المحددة الهدف.
كثر الحديث خلال العقود الأخيرة في العالم العربي والإسلامي عن دعوات فصل السياسة عن الدين، أو ـ بمعنى أدق ـ فصل الفعل السياسي عن الفعل الديني، الأول: المرتبط بالاجتهاد البشري الصِّرْف القابل للنقاش والاختلاف، والثاني: المرتبط بالمقدس الإلهي المتفرد بالإلزام بلا خوض ولا نقاش، ولعل المتأمل لهذه الدعوات يجد أنها في حقيقة الأمر ما هي إلا تلطيف لمفهوم العلمانية، والتي أجد أدق تعريف لها هو ما قالت به دائرة المعارف البريطانية "حركة اجتماعية تتجه نحو الاهتمام بالشؤون الدنيوية بدلًا من الاهتمام بالشؤون الأخروية، وهي تُعتبر جزءًا من النزعة الإنسانية التي سادت منذ عصر النهضة الداعية لإعلاء شأن الإنسان والأمور المرتبطة به بدلًا من إفراط الاهتمام بالعزوف عن شؤون الحياة والتأمل في الله واليوم الأخير، وقد كانت الإنجازات الثقافية البشرية المختلفة في عصر النهضة أحد أبرز منطلقاتها، فبدلًا من تحقيق غايات الإنسان من سعادة ورفاه في الحياة الآخرة، سعت العلمانية في أحد جوانبها إلى تحقيق ذلك في الحياة الحالية"، إنها بمعنى آخر إقصاء الدين والتفكير الديني في الشؤون الدنيوية، وفي حقيقة الأمر كان دعاة العلمانية أو فصل الدين عن الدولة خلال مرحلة أسبق في بلداننا الإسلامية، أكثر شجاعة وتحرُرًّا من النسق الاجتماعي المهيمن من نظرائهم اليوم، ودعونا نقل بنوع من الدغمائية ـ بمعناها الإيجابي ـ أنهم كانوا أقل نفاقًا من نظرائهم اليوم؛ إذ دعوا صراحة إلى فصل الدين عن الدولة بصفته لا يتوافق مع العصر وباعتبار الفكر الديني المقدس يحيل إلى الثبات و الجمود، وهو ما سينعكس سلبًا على المجتمع ويجعله متخلِّفًا حسب زعمهم، وهو ما لم يستطع دعاة اليوم القول به صراحة حينما اكتفوا بالدعوة إلى عدم الجمع بين ما هو ديني وما هو سياسي أو بمعنى عدم استغلال الدين في الدعوات السياسية.
الصفحة 69 من 433