منذ بدء العملية العسكرية الإسرائيلية المسماة بالجرف الصامد والانتهاكات ضد القانون الدولي الإنساني لم تتوقف؛ بدءًا من قصف المباني السكنية، والمساجد، والمستشفيات، ومقرات منظمات دولية وإنسانية مثل مقر الهلال الأحمر الفلسطيني في غزة ومدرسة الأونروا. وعقب ذلك تم تسجيل إدانة واسعة لهذا العمل غير المسؤول من قبل دول عرفت بموقفها الملتزم بمساندة إسرائيل. إضافة إلى ذلك، فإن الاستهداف الواسع للأحياء السكنية نتج عنه أن معظم الضحايا من المدنيين، وهذه الملاحظة التي سجلها المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان تُعتبر إضافة لشهادات فردية من أطباء أجانب وعاملين ضمن منظمات دولية وإنسانية. نفس الأمر حدث في الضفة؛ إذ زادت وتيرة الاعتقال العشوائي خلال الفترة الأخيرة خاصة مع انتفاضة القدس في أيام رمضان الأخيرة.
قبل أن تجيب على هذا التساؤل انظر من حولك يمينًا ويسارًا وشمالاً وجنوبًا وفكر مليًّا وابحث كثيرًا؛ لتدرك بأنه بمجرد سقوط غزة فإنه لم يعد هناك من معقل لمقاومة أو إيقاف مشروع إسرائيل إلا في تلك البقعة من الأرض، وأنه بمجرد الإعلان عن سقوط غزة ونزع سلاح حماس سوف تشطب كلمة (الصراع العربي الإسرائيلي) من قاموس المفردات ليحل محلها كلمات ومعاني كثيرة كلها تحمل في طياتها أكبر معاني الخضوع والخنوع والمهانة.
رباه... رباه... رباه...
رباه... عبدك المؤمن بك... المصدق بكتابك... المقر بوحدانيتك... أتاك راجيًا مستغفرًا مستعتبًا... وقد أنهكته الذنوب، وأرهقته المعاصي، وأثقلته الغفلة... ولم يعد له أمل يتعلق به إلا فضلة من إيمان يضيء نورها في قلبه من بعيد ويهتف به في كل آنٍ ألا تطِل الغيبة ولا تزد سلطان الشيطان على نفسك... فهاك نداء ربك (يا ابنَ آدمَ إنَّك ما دعوتني ورجوتني غفرتُ لك على ما كان منك ولا أُبالي يا بنَ آدمَ لو بلغتْ ذنوبُك عنانَ السَّماءِ ثمَّ استغفرتني غفرتُ لك ولا أُبالي يا بنَ آدمَ إنَّك لو أتيتني بقرابِ الأرضِ خطايا ثمَّ لقيتني لا تشرِكُ بي شيئًا لأتيْتُك بقِرابِها مغفرةً)، فهل بعد هذا النداء من حب وتقرب؟ الله يحبك... الله يناديك... الله يفرح بتوبتك!
الحمد لله رب العالمين. العالم عالمين. عالم الإنس وعالم الجن، عالم الغيب وعالم الشهادة، عالم الواقع الافتراضي وعالم الواقع الحقيقي. أيضًا الواقع واقعين، واقع حقيقي بعالم افتراضي وواقع تخيلي بعالم حقيقي. كثيرون يعتقدون أن الواقع الحقيقي هو العالم الذي نحياه بين الناس وأن الواقع الافتراضي التخيلي هو العالم الذي نخلقه بأنفسنا لأنفسنا في خيالنا.
{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ} (سورة الصف:، الآية 4)
ترى، ماذا بقي لنا كي نصل إلى هذه المرحلة، مرحلة البنيان المرصوص؟
بقي الكثير، الكثير. بقي علينا أن نتعلم كيف نقف بإحسان في صفوف الصلاة. وأعني بذلك أن نحرص ذاتيا على ذلك دون أن يتطوع بعضنا بالتذكير أنّ "إقامة الصف من حسن الصلاة"، ودون أن يكبّر الإمام، فينشغل أصحاب الصف بدعوة/استجداء من خلفهم كي يكلموا صفهم المليء بالثقوب، ودون أن يضطر أحد إلى جذب من هو بجانبه كي يعتدل الصف. على التصاف أن يغدو فعلا طوعيا، وهَمًّا ذاتيا، وعادةً نشعر بالانزعاج والغربة بل والإهانة دونها.
من حكمة الله تعالى أن فرض الصيام على المؤمنين في ظرف زماني هو شهر رمضان، على امتداد الجغرافيا الدنيوية، ويبقى قدوم رمضان حدثًا تستعد له الملايين من المؤمنين ماديًا ومعنويًا، وتشبه هذه الاستعدادات نوعًا من الاحتفال بقدوم عزيز على القلوب، لما أضفاه نزول القرآن فيه من معاني تستدعي كثيرًا من القدسية لهذا الشهر، فرمزية النزول فيه، جعلت منه شهرًا يفضي فيه الإنسان إلى ربه، منقطعًا عن ملاذت الجسد محولاً ذلك التعب إلى جزء من تنسكه وترويضًا لنفسه.
الصفحة 64 من 433