عمليًا المسائل التي لا يمكن تصنيفها ضمن الإطار الطبيعي الواقعي المادي تُصنف ضمن إطار الفيما ورائيات، باعتباره أحد فروع الفلسفة المهتمة بدراسة المبادئ الأولى والوجود. بما يجعله يتناول بدراسته ظواهر النفس المختبئة، ليُدخل في مناقشة الظواهر الغريبة مثل الجن والأشباح والتخاطر. إنما ثمة فرق بين علم ما وراء الطبيعة والخيال العلمي، أما الأول فيدرس أشياء ملموسة في حياتنا إنما نعجز عن تفسيرها أما الثاني فيكون من تأليف البشر كمحاولة لابتكار أشياءً جديدة، أو لتنمية القدرات عند الشخص. إنما كليهما قد يلتقيان معًا في الأفكار؛ من مثل: السفر عبر الزمن أو ابتداع المُتحركة بديلاً عن الساكنة والتقنية الذكية مثيلة الروبوت في أجزاءها وموادها وتربيطاتها ومنها مبدأ ميكنة إدارة الشيء (الحركة الآلية الدافقة) وآخرها العالم الافتراضي.
عند الحديث عن موضوع ما، والغوص فيه، لابدّ من معرفته جيدًا، فإنْ تعذر لابدّ من الإلمام به على الأقل، ثم الصدق في القول بعد ذلك، ورسم خطة واضحة لعرضه، وكلّ ذلك عناصر أساسية لا ينكرها أحد؛ لأنها تعين على الوصول إلى النجاح في تحقيق الغاية، وتعطي الأمل، وتزرع الثقة، في اجتياز اختبارات صعبة في الحياة، وتسهم في صقل تجارب الإنسان بالحكمة والخبرة والمران؛ تلك التي لا يستغني عنها عاقل.
إنّ معرفة الأمور معرفة واسعة عميقة، تحثّ الدماغ على تحريك خلاياه، وتفعيل ملكاته، فتدفعه للتطور، وتقرّبه من الحقيقة، وتجعله في مرتبة أعلى من التي هو فيها. أمّا الواقع، فليس هو الصورة التي نمارسها بجوارحنا، لذا أصبح ينفصل عنّا، ونبتعد عنه، ففي زمننا هذا، يجوز أن تفعل ما لا تقول، وأنت مرتاح، وتقول ما لا تفعل وأنت صادق؛ لأنّ المرء عند غياب الموازين السليمة، والمعايير العادلة، لا يلجأ للكيل أو التحكيم، فخاصية الذات أو(الأنا) في بعض النفوس التي لا ترى سواها في المرآة، ترفض أن تتقبل معادلة الوزن بالقسط، ومعيار المثل. لذا لا كيل إلاّ لمن انتصروا على ذواتهم، وهزموا شياطينهم، وخرجوا من عبودية الأهواء، إلى فضاء الفطرة السليمة، وذوق الناس العام. وأولئك هم قليل، وربما تعود قلتهم هذه إلى تمسكهم الشديد بمبدأ ما، ورفضهم لمبدأ آخر، لقناعتهم أنّ الشمس تأتي من المشرق ولا يمكن أن تأتي من الشمال. والواقع ينطق بصدقهم؛ إذ لم نسمع أنها جاءت من اتجاه آخر.
نظرات في الترجمة اللاتينية الأولى للقرآن الكريم لأنطوني بيم(1).
تأليف: أ. د. أنطوني بيم
ترجمة: محمد سعيد الملاح
التدقيق اللغوي: هبة العربي
في عام 1142 نظّم بطرس المبجل، رئيس دير كلوني، فريق عمل للقيام بأول ترجمة لاتينية للقرآن الكريم(2)، جنبًا إلى جنب مع وثائق تفسيرية. وقد قام كل من ماري تيريز دالفيرني (1948) وجيمس كريتزيك (1964) بوصف النص المترجم، والمترجمين، وطريقة الترجمة(3). وبقي أن ننظر، على أية حال، إلى الطريقة التي يجب أن ندرج فيها هذه الترجمة في عملية النقل الثقافي الأوسع من العربية إلى اللاتينية في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، وبخاصة فيما يتعلق بوضع النص المقدس. إن السياق الأوسع يتعلق بنوع رئيسي واحد من النقل، إن ما انتقل من المسيحية إلى العالم الإسلامي في القرن الثاني عشر كان: "الحروب الصليبية".
فإذا كان الهدف المعلن للترجمة هو في الواقع تحويل الكفار إلى المسيحية، فلماذا كان على رئيس دير كلوني أن يترجم القرآن إلى اللاتينية، بدل أن يترجم الإنجيل إلى اللغة العربية؟ آمل أن أبين أن الإجابات على هذا السؤال يمكن أن تستمد من ثلاثة أنواع من الممارسات التي انتنقلت من العرب إلى العالم اللاتيني: صنع الورق، والمناظرات كوسيلة للتواصل بين الثقافات، والملاحظة كوسيلة لإنتاج المعرفة العلمية. هذه الإجابات ينبغي أن تساعدنا من ثمّ في وضع الترجمة اللاتينية للقرآن الكريم داخل حركة نقل واسعة جدًا، تشكك في الفصل الصارم بين أوروبا الإسلامية والمسيحية، كمشهد جانبي، وتوفر مفاتيح مهمة لفهم نشاط الترجمة المعروف باسم مدرسة طليطلة.
كوة عالية أرتني الأفق تجمع بسمته بين بعيدين متجافيين، بين السماء والأرض، فإذا هما قريبان متلاصقان. لوحة أذهبت رحابتها ثقل كل خلية؛ لتهيم في لحن السكون يهدهدني كلما نظرت إلى ما دوني، إلى كل شيء، إلى لا شيء. إذا ما ارتفعنا وابتعدنا، فأول ما يصغر ويختفي هو المخلوق، مدّعي الهيمنة، تتبعه كتل حديدية وسدود خرسانية وخربشات إسفلتية، وسائر مذكرات عبثه. نعود ونقترب من الشيء فيظهر ويتضخم، فإذا التصقنا به ظنناه بلا حدود. تلك حالنا مع الصور والأصوات والأحياء والأحداث والمساحات وسائر الأوهام. فاعذر جرأتي أيها الأديم النديم، إن تمنيتُ الطيران، فالارتفاع يبدد الأدواء والأغلال فليس إلا الصفاء والجمال. طمأنينة لا يطالها تطفل رنين ولا هذر لسان ولا بذاءة بوق. وتنقطع جوقة الطمأنينة السامية أمام تلوث بليد، أمام ساحر انقلب عليه سحره فمسخه وذهب بلبه فأعلن نفسه أصلًا وفصلًا، فجهل وظلم وأسر نفسه! أبى وليد التراب إلا حجب الحب وتعطيل الحياة والبخل بالمشاع.
مع رغبة العديد من المجتمعات في أن تحقق التقدم المنشود لها، ينبغي الأخذ بثقافة التقدم والقضاء على الظواهر السلبية في المجتمع التي تعوق التقدم في الشارع، والعمل، والبيت، ومختلف الأماكن؛ فلا يمكن أن يتحقق التقدم المنشود في ظل ظواهر سلبية مثل عدم احترام النظم والقواعد، وعدم احترام خصوصيات الآخرين، وعدم احترام العمل، وإزعاج مستمر من قبل أفراد للآخرين، وتنشئة الأطفال على العنف، وعدم احترام الأفراد بعضهم لبعض، والتعامل غير المهذب بين أفراد المجتمع بشكل عام، واستغلال من قبل تجار أو سائقي سيارات أجرة أو حرفيين أو أي مقدم خدمة أوسلعة للمستهلكين أو طالبي هذه الخدمات للمستهلكين، وإلقاء قمامة في الطرقات، وفوضى باعة جائلين، وألعاب نارية يتم إطلاقها في أي مكان وأي وقت، وتعقيدات بيروقراطية، وإضاعة وقت الجمهور لتأدية خدمات صغيرة يمكن تأديتها عبر التليفون، أو الإنترنت، أو غيره من وسائل التكنولوجيا. ففي ظل هذه السلوكيات السلبية، لا يمكن توفير البيئة الملائمة للعمل، والإنتاج، والإنجاز، والإبداع، وانتعاش الاستثمار، والصناعة، والتجارة، والسياحة، والتسوق.
اختار الله لهم حمل الأمانة قبل أن يقبلوا هم بحملها، إنما قبل أن يعرِضها الرَبّ عليهم قررَ لهم أنهم سَيَحمِلونها. قدر البشر. فعرض الأمانة على البشر كان لغرض إعلامِهم بحقِهم في الاختيار؛ هناك، في الدار الأخرة وفي الحياة الدُنيا. حرَّم الله على آدم وحواء الأكل من شجرةِ الْخُلْد وَمُلْكٌ لاَّ يَبْلَى، فخالفاه. بيد أنه قرَر لهم أنهم سيأكلوا منها باختيارهم قبل أن يُحَّرِمها عليهم. درس المنع والمعصية هنا لتعلم فضيلة التوبة، فلم يسجُد إِبْليس للنبي آدم أبدًا، معروفٌ للخالق أنه لن يَسجُد، فكان ذلك للبشر درس أن بابَ العصيانُ مفتوح.
النهايةِ، أراد الله للبشر الحياة فجعلهم يختاروها، إرادته اختاروا ما تشاؤوُّن، فاختار كُلَّ بني آدم منهم ما ارتأى. أمرهم أن اهبطوا الأرضَ، فَلِكلِّ بشريٍ شِيفرته: كود، مفتاحٌ، رقمٌ سري؛ لفتةٍ، بسمةٍ، همسةٍ، لمسةٍ؛ شَهوةُ مالٍ أو سُلطةٍ أو شُهرةٍ؛ شابٌ أو صبية، فبكُلَّها أو بواحدةٍ على الأرجح يَعرف كُل بني آدم هواه فيُصلِحه أو فَعليه العوض.
الصفحة 62 من 433