تالله إنها لحياة مريرة يا امرأة! فأن تربى المرأة في على أنها شيء شبيه بقطعة من سمك السالمون أو حفنة من جبن القَرِيش (وكلتاهما معروفة بسرعة الفساد)، فأمر لا يُطاق، ناهيك من أن يُعقل.
وإذا سلمنا جدلا بصحة هذا الوهم الذي كبر على مدى قرون بالقوة (وطاغور يقول أن الزيف الذي لا يكبر بالحقيقة يكبر بالقوة)، فإن هذا يعني أن عمر المرأة هو بمثابة تاريخ انتهاء الصلاحية الذي يجب أن يدوّن بشكل بارز وواضح على المنتج حفاظا على صحة المستهلكين، وأي تدليس فيه جناية لا تسامح فيها خاصة في عصر الشفافية. فعلى النساء أن يقبلن الرزمة كلها، لا أن يكتبن على سطر ويغفلن عن الآخر: إما أن يسلمن أنهن مجرد سلع ذات أمد محدود وبالتالي عليهن الإفصاح عن أعمارهن حفاظا على الصحة العامة! وإما أن يتعقلن -هنّ والمجتمع برمته- ويفصحن عن أعمارهن إذا استلزم الأمر، فما الضير في ذلك، وخيرنا من طال عمره وحسن عمله كما جاء في الحديث؟
ربما لو كان شابًا أكثر، ربما لو لم يكن مهذبًا جدًا ولا يجري اللوم على لسانه، ربما لو لم يكن قانطًا بعد طول معاناة من الأنظمة العربية: لصاح بالمصريين أن أدّوا إلي حقي، وردوا إلى الشعب الليبي دَينه!
لقد تقطّع قلبي وأنا أرى ريئس الوزراء الليبي الأسبق المهندس مصطفى بن حليم ابن التسعين عامًا وهو يطلب النجدة والمساعدة من أوباما ولم يطلبها من مصر أو الجزائر. لماذا لم يصرخ بالجزائريين: هل فكّرتم يومًا كيف كانت تصلكم الأسلحة خلال سنوات الثورة كلها من عام 1954 وحتى عام 1961، وعن طريق من؟ من الذي أمّن لتلك الأسلحة النقل، والتغطية والأمان بحيث لم تكشف ولم تتأخر شحنة واحدة خلال سبع سنين. لماذا لا ترد الجزائر بعض ذلك السلاح للشعب الليبي ليدافع عن نفسه؟
لماذا لا يصرخ بالمصريين: حميت أرضكم وسماءكم فهل تحمون أرضي وسمائي اليوم؟
من البحرين إلى الرباط، مرورا بالرياض والكويت والدوحة وعمان وصنعاء ودمشق وبيروت والخرطوم والجزائر ونواكشوط وأسمرة، تتسمر العيون على مايجري في مدن ليبيا، وشوارعها، وساحاتها، ومستشفياتها، وعلى حدودها الغربية مع تونس، يحبس الجميع أنفاسهم بانتظار الفصل في هذه المعركة غير المتكافئة، وهذه الحرب غير الشريفة التي يشنها نظام "جماهيري"، "شعبي"، "اشتراكي"، على شعب تجرأ بعد أربعين عاما أن يرفع درجة اعتراضه وثورته إلى العصيان المدني، بعد أن أعيته الحيل مع هذا النظام الموميائي الذي بلغت أكاذيبه أقاصي الأرض وطبقت دعاواه وخيانته وحماقاته الآفاق، يحكم ويتحكم بشعب ضعيف مختطف عن طريق أذرعته الاخطبوطية الثمانية، الذين لايستحون من الخروج على العالم للتحدث باسم جماهيرية أبيهم العظمى، وكأن انتسابهم إليه يمنحهم الشرعية المطلقة في حكم البلاد ونهب العباد، وفي أي دولة ؟ دولة الشعبيات، وحكم الشعب..الذي لاوجود له إلا في مهرجانات التطبيل والتزمير للحاكم الفرد، والرقص والغناء "الأهبلين" – من اعلُ هُبل، وليس من الهَبَل بالاستعمال الشعبي للكلمة - في حفلات النفاق الجنوني المطبق، في حضرة الذبح المسلط على الأعناق، وشراء الذمم رخيصة في سوق نخاسة الهوان الإنساني، التي يبيع فيها الإنسان نفسه ووطنه وشعبه وإيمانه وحريته وكرامته بحفنة من ماله المنهوب !
يأتي تقدم مجتمعات الدول الصناعية الكبرى ومؤسساتها نتيجة لعدة عوامل ، ولقد تم الحديث عن مفهوم فريق العمل في المقال السابق في سلسلة هذه المقالات. ويتحدث هذا المقال عن عامل آخر وهو تطبيق مفهوم المؤسسية أو المآسسة. وتعني المؤسسية ببساطة أننا أمام هيكل مؤسسي وليس أمام أفراد ؛ وبالتالي أمام نظم وقواعد واستراتيجيات يطبقها جميع الموجودين الحاليين والمستقبليين في المؤسسة. فالنظم والقواعد هي التي تحكم العمل وليس الأفراد وهي تعني الاستقرار للجميع ، ولا يعني هذا الثبات والجمود ؛ بل إنه يمكن تغيير هذه النظم والقواعد بعد المرور بمشاركة موسعة من جانب جميع أفراد مجتمع المؤسسة سواء العاملين فيه أو المتعاملين مع هذه المؤسسة. وتعني المؤسسية أيضا وجود استراتيجيات تسير عليها المؤسسة لفترات طويلة ، ولا يتغير تطبيقها بتغير الأفراد ، وكذلك لا تعني المؤسسية الثبات ؛ بل تعني التغير التدريجي وليس التغير الراديكالي الذي قد يحمل العديد من المخاطر.
ماذا تفعل عزيزى القارئ عندما تكتشف فجأة أنك كنت " مستغفلاً " من قبل وسيلة اعلامية ما وثقت بها، واعتمدتها مصدراً آمناً تستقي منه الأخبار، والتقارير..إلخ، بينما كان رئيس تحريرها لديه أجندة خاصة، وأنت بالنسبة إليه مجرد " بزنس " يضعك فى جيبه بعد أن يضلل وعيك؟!
وماذا تفعل إذا اكتشفت فجأة وأنت كاتب أو صحفي لديك فكر ومبدأ وذهبت وأنت بكامل قواك العقلية للعمل فى جريدة أو وسيلة اعلامية ما بدت تتوافق وما تؤمن به، ثم يتضح لك وبمحض الصدفة أن رئيس تحرير الوسيلة كانت لديه سياسة أخرى "غير معلنة " تتعارض وما تؤمن به، وأنه استخدمك لتنفيذها؟!
لم يأت تقدم مجتمعات الدول الصناعية الكبرى ومؤسساتها من فراغ ؛ بل جاء نتيجة لعوامل يجب علينا أن نبحثها وندرسها ، ويأتي على رأس عوامل تقدم هذه الدول ثقافة الإدارة في هذه الدول وهي ثقافة إنجاز جماعي.
ويجب أن نتوقف عند كلمة جماعي كثيرا ، أي العمل بمنطق فريق العمل فعلا وليس قولا ؛ حيث نسمع كثيرا كلمة نحن و نادرا ما نسمع كلمة أنا، وحيث يشترك مختلف الأطراف المعنية وأصحاب المصلحة في صنع القرار ولا ينفرد مدير بصنع القرار، وحيث يكون الجميع على دراية بمختلف المعلومات، وليس هناك احتكار للمعلومات ، فهناك اجتماعات دورية وغير دورية بين المدير ومرؤوسيه لتبادل الأفكار والمعلومات
الصفحة 105 من 433