لا لن أستظرف وأقول لكم أني كنت أقصد أن القراءة ليست مهمة بل هي ضرورية. لا، لن أقول لكم هذا لأني -وببساطة- أعتقد بأن ما وراء القراءة له ذات القدر من الأهمية. منذ عقود ونحن نلوك الشعارات حول أهمية القراءة لأمة ناهضة، ونتشدق بماضينا الزاخر العامر بالمكتبات وتقدير الكتب، لكن -وبكل صدق ومكاشفة- ما نفعله فاشل جدا وسمج! ويبدو أننا نعوض عن ثقافتنا المفرطة في الشفاهية بالنظر إلى القراءة على أنها المخلص الفادي لمشاكلنا. إنها الشماعة الإيجابية، شيء يشبه نظرية المؤامرة لكن بالمقلوب. فكما أن المؤامرة هي سبب كل مشاكلنا وإخفاقاتنا، فإن القراءة هي الدواء السحري الشافي من كل الأمراض، والمخلصة من كل المشاكل.
أعرف الكثيرين من القراء النهومين الذين يقرؤون كتبا "جيدة"، ورغم ذلك لا أكاد ألاحظ فرقا يطرأ عليهم على مدى الزمن. قد يقول قائل أن متعة القراءة تكفى، وأن صيانتها المرء عن نشاطات غير نافعة أو مدمرة كاف جدا. لكن لماذا نرضى بالفتات وهناك وليمة؟ يقول قانون "باريتو" (يسمى أيضا بقاعدة 80:20) أن 20% من الجهد يمكن أن يعطينا 80% من الثمار، لكني أرى هذه القاعدة الثمينة معكوسة تماما لدى الكثير من القراء.
إنّ الحديث عن جامعة الدول العربية ذو شجون وأشجان. بداية فهذه الجامعة لم تكن في الحقيقة إلا من بنات أفكار الاستعمار البريطاني الذي فرضها على الأنظمة العربية آنذاك كبديل مسخ لمؤسسة وحدة عربية قومية حقيقية. ليس تجنيًا عليها ولا خروجًا عن جادة الصواب القول بأنها كرست روح الاستقلالية في إطار سيادات قطرية ضيقة مستقلة عن بعضها ضمن حدود مصطنعة باركتها هذه الأنظمة، وعملت على الحفاظ عليها والدفاع عنها، وخاضت على شرفها نزاعات وصراعات مع من يفترض أنهم أشقاء وأبناء جلدة واحدة ويؤمنون بالوحدة العربية الكبرى.
وإذا كان هذا هو فحوى الأسس التي قامت عليها، فإن سجلها الأدائي والإنجازي دليل آخر على عقمها وافتقارها إلى أبسط بسائط العمل القومي على اعتبار أنها البيت العربي الذي تحت سقفه وفي أحضانه تعقد المؤتمرات والإجتماعات واللقاءات والمشاورات العربية، وقبل هذا وذاك فإنه يفترض بها أن تكون "مصنعا" لمشروعات قومية ذات رصيد من الإرادة والنوايا الصادقة لتوظيفها على أرض الواقع العربي.
أدمنت الكتابة منذ الصغر عندما كنت أنقط وأحوق وأرسم في الهواء، واليوم أصبحت لكتاباتي معانٍ كبيرة .كنت أخط بريشة من ضلوعي -كما قال رفيقي- في الدرب الصعب. الدرب التي فيها حفر وديان وأعداء اللغة العربية. أصبحت أمتهِن الكتابة بروح اللغة لقد كنت أكره القواعد والضوابط، ولقد حولتهما إلى ممراتٍ صغيرة، وعظمت روح اللغة حتى صارت كلماتي مطواعة للمعنى، وامتزج الأسلوب بالمعنى وهذه استراتيجيتي الجديدة للكتابة باللغة العربية العظيمة. والتي قال المستشرقين أنها ولما تحمل من تقسيمات موسيقية رائعة لابد أن تكون لغة أهل الجنة، وأهلها الأصليون يذرونها في مهب الريح، تطير بين العامية والعامية واللغة المحكية! قدرنا الله على استعادة مملكتها على عرش اللغات. الملكة اللغة العربية الفصحى تدعونا لنصرتها، وكل عربي مُطالَب بالكفاح وبالجهاد من أجلها. هلمّوا معشر الأدباء والشعراء والكتّاب وأهل الكلمة والإبداع، لتتعانق الأقلام ولنسمع صريرها على الأوراق. اشحذوا الهمم واحملوا القراطيس وأغنوا المكتبة العربية بإنتاجاتكم، آن الأوان لنشر الوعي. ولنجابه الأخطار بإيجابية العقلاء نكتب ونكتب ونكتب وننشر وننشر وننشر فإلى العمل الكتابي الهادف والرائد، فرحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة فهلمّوا جميعا إلى أولى الخطوات.
نبدأ بأول الأعمار صُراخًا، وحبوًا، ومشيًا، وركضًا، بعد حين بإذن الله ويد الله مع الجماعة. اجتمعوا على حب الأبجدية العربية حروفًا وكلمات. كفانا استهلاكًا لبقية اللغات وكفانا ترقيعا للعامية بألفاظ أجنبية!
يا عرب، إنّ العربية لغتكم احتكموا إلى ضمائركم وإلى قلوبكم، أعيدوها إلى مكانتها ملكة على عرش اللغات.
التدقيق اللُغوي لهذه المقالة: شوق البرجس
صفحات مضيئة من حضارة العرب قبل الإسلام- الأنباط أنموذجًا
د. زياد السلامين
تُعتبر مملكة الأنباط أُنموذجًا فريدًا لأبرز ممالك العرب قبل الإسلام، إذ لعبت دورًا حضاريًا بارزًا وهامًا في تسيير دفة الأمور السياسية في المنطقة خلال الفترة ما بين القرن الأول قبل الميلاد والقرن الأول الميلادي، وأظهرت انفتاحًا غير محدود على العالم الخارجي.
الأنباط شعبٌ من أصلٍ عربي ظهر على مسرح التاريخ السياسي بحوالي عام 312 ق.م - إن لم يكن قبل ذلك - واختفى ذكره من المصادر التاريخية بعد حوالي خمسة قرون، عندما أصبحت مملكته جزءًا من الولاية العربية الرومانية بحلول عام 106م، وتشير الدلائل إلى أنّ الأنباط قد ظهروا على شكل قبائل رُحّل، تحالفت مع بعضها، وكونت مملكة بزعامة أكبر وأقوى قبيلة وهي قبيلة "نبطو"، وقد توسَّعت حدود الدولة وتعاظمت تدريجيًا مع اتساع وتعاظم سلطتها الحاكمة حتى شملت في بعض الأحيان ذلك الجزء الممتد من دمشق شمالًا وحتى شمال الجزيرة العربية جنوبًا، ومن ميناء غزة على ساحل البحر الأبيض المتوسط غربًا وحتى الأجزاء الشرقية من الأردن (وادي السرحان)، واشتملت المنطقة على منطقة النقب بجنوبي فلسطين وصحراء سيناء، وقد كانت الحدود السياسية الجغرافية النبطية متغيرة حسب تطور الأوضاع السياسية والعسكرية في المنطقة.
المملكة البغدادية التي كان اسمها يهزّ أرجاء الوطن العربي، تداعى عرشها واندثرت أبنية مجدها وتصاعد دخان حريقها حتى بلغ السماء. نقف الآن قليلاً لننظر في إمكانية إنقاذها وإعادة بناء حضارتها من جديد.
بعد خمسة وأربعين عامًا من الحكم الاستبدادي الشمولي، وبعد خمس سنوات أخرى من احتلال أمريكي، سيكون أمامها سنوات طِوال أخرى حتى تقوم ببناء مستقبل جديد يعيدها إلى ما كانت عليه قبل الحرب الأمريكية عام 2007.
إنّ المتمعن في التركيبة العرقية للعراق، يجد أنها لعبت دورًا كبيرًا خاصة بعد الحرب الأمريكية. فالسياسة الطائفية هي الأبرز على أرض الواقع، وإذا أردنا التخلص من التأثير الطائفي على العراق ربما وجب علينا أولًا أن نركز على تطوير الجوانب الإنسانية وتحقيق العدالة الاجتماعية للعراقيين، لصرف نظرهم عن السعي وراء النعرات السياسية أو الدينية لمحاولة السيطرة على أكبر أجزاء العراق وحكمها.
حين نتحدث عن إنقاذ العراق، علينا أن نأخذ بعين الاعتبار محاور أساسية تتلخص بإعادة النظر حول البنية التحتية التي دُمِّرت، والمستويات التعليمية التي كانت تُعتبر من أقوى المستويات في العالم العربي، والاقتصاد والرعاية الصحية وأسواق العمل.
إنّ أحد الأمور التي يمكن التفكير بها كحلول مستقبلية هي نقل أو توزيع الثقل السكاني من العاصمة بغداد إلى باقي المدن العراقية؛ فإذا أراد العراقيون بناء أرضية جديدة تستوعب كافة شرائح المجتمع وطوائفها الدينية والسياسية فعلى حكومتهم والمؤسسات المعنية بالإحصاءات السكانية أن تعمد إلى حساب معدل النمو السكاني، ومن ثم العمل على إيجاد إسكانات خارج العاصمة ليتم توزيع السكان بشكل منظم، على عكس ما كان نظام "صدام حسين" يفعل حين كان يسهل القروض لبناء الإسكانات بأسعار مرتفعة، بل على الحكومة الحالية أن تقوم هي بتوفير الإسكانات بعد أن تقوم بإحصاء دقيق لعدد السكان، حيث كانت السنوات الماضية التي سبقت الاحتلال تفتقر إلى الدقة في الإحصائيات السكانية وغيرها من المعدلات التي يجب على الحكومة أن تباشر بدراستها وتجهيزها لغايات إعادة البناء على أسس علمية وعددية صحيحة؛ فالإحصائيات الدقيقة تمكن الحكومة الجديدة من بناء دراساتها المستقبلية على أسس واضحة وسليمة.
أما فيما يخص التعليم في العراق، فيجب استحداث مناهج دراسية من الممكن أن تلائم كافة الطوائف والتوجهات الدينية وغيرها، في محاولة للتقريب بين الجهات، كما أنّ على الدوائر المعنية بالتربية والتعليم أن تولي هذا القطاع اهتمامًا كبيرًا خاصة بعد أن تفاقمت هذه المشكلة وغاب عدد كبير من المثقفين والأكاديميين وهاجر إلى الخارج.
من ناحية أخرى، وفيما يهم الاقتصاد العراقي فعلى الحكومة التشجيع على الاستثمار من جديد، وإيجاد بيئات استثمارية مناسبة لهذا الغرض، فالاقتصاد السائد الآن هو الاقتصاد غير الرسمي أو اقتصاد الأفراد وليس اقتصاد الشركات والقطاعات الحكومية.
إنّ التركيز على الجوانب الاجتماعية وإعادة البناء الآن هو الأهم في العراق فضلا عن أهمية الاقتصاد الذي يجب أن يتم إنعاشه من جديد حتى تستطيع العراق الوقوف من جديد، وتتصدر المكان المناسب بين الأمم العربية والعالمية كما كانت سابقًا.
التدقيق اللُغوي لهذه المقالة: شوق البرجس
اضغط عل الصورة لتكبيرها.
نشرت في مجلة الوعي الإسلامي، العدد 559، ربيع الأول 1433/يناير/فبراير 2012، صفحة 55.
الصفحة 88 من 433