كثيرا ما يختلف الناس في موقف الإسلام من الديمقراطية، هل هو يؤيدها أم يرفضها؟ ومن فترة كنت أتابع برنامجا تلفزيونيا عن الديمقراطية والانتخابات، وإذا بمتداخل من المشاهدين يتصل ليقول له إن الدين لا يؤمن بالديمقراطية، لأنها حكم الشعب، والدين يقول: (إن الحكم إلا لله)، ودار بين ضيف البرنامج والمتصل كلام….
ولأن مفهوم الديمقراطية بمعناها المعاصر مفهوم لم يعرفه السلف، فقد وقع خلاف في الموقف منها بين الباحثين، فمن قائل بأنها توافق الدين، ومن قائل بأنها تعارضه، وموضوع كهذا يحتاج إلى بحث مطول، ولكن هذه ثمة ملاحظات في الموضوع، لعله ينتفع بها من يبحث في هذا المجال.
بتأخير دام أربعة أعوام هي عمر حصار غزة بنهاراته ولياليه، وبكل سهولة ويسر، انتقل موكب الأمين العام لجامعة الدول العربية من رفح المصرية إلى رفح الفلسطينية، وكأنه يتجول في مدينة واحدة، هناك شاهد بأم عينه ما فعله الحصار الظالم، وما اقترفته أيدي العدوان الآثم على شعب غزة بشرا وحجرا وشجرا، في أواخر العام 2008، وأوائل العام 2009.
كان في انتظاره الكثيرون من فعاليات غزة الشعبية والسياسية الذين تأملوا أن تكون هذه البادرة من طرف الأمين العام سوف تؤدي إلى رفع للحصار في القريب العاجل، وقد فاضت عواطف أهالي الأسرى الذين تجمعوا، ورفعوا صور أبنائهم في المعتقلات الإسرائيلية، آملين أن تكون هذه خطوة يمكن أن تقود إلى تحرير هؤلاء الأبناء الذين طال غيابهم ، والحنين إليهم.
تحدث الأمين العام في أكثر من لقاء جماهيري، واعدا أن الحصار سوف ينتهي. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا بإلحاح: هل الأمين العام جاد فيما قاله، أم أنه جاء من قبيل رفع العتب، وهو مجرد كلام والسلام، سبق أن أدلى بمثيله في ذات الشأن والصدد.
كم تداعبنا الأحلام في الخروج من مأزق التبعية لكل ماهو سطحي بيننا مهما كانت المبررات الواهية في عالمنا الثقافي الذي اراه منزويا وقابعا في يتم نتيجة طبيعة لغياب المناخ الصحي لكل ماهو إبداعي ؟
وهذا نلمسه جميعا في مجتمعنا العربي الكبير بعمد أقرب إلي الجهل في تبوير عقولنا والنيل منه بكل ماهو رخيص وفوضوي مما أنعكس سلبا علي اجيالانا فلم نعد نري مبدعا أصيلا الا في حالات أستثنائية جدا !
مما يعطينا انطباعا عاما أننا بحاجة ملحة إلي تصحيح أوضاعنا ؟
فأي قيمة نضيفها لنا ونعتز بها بين الأمم ربما نتصور أن الإبداع يكمن في فلسفة العبث بكل ماتحمله من أرهاصات عميقة في أدبنا الحداثي .. وطربنا البهلواني .. وقصائدنا المهاجرة خارج العصر .. رويدا أتعجب من عقولنا التي تحولت إلي وعاء يستفبل دون أن يفكر لكي يطرد اصوات الغربان بلارجعة !
2- الموقع الجغرافي للصحاري العربية :
اذا كان الوطن العربي يحتل مركز القلب من كتلة العالم القديم فإن الصحاري العربية تحتل مركز القلب من الوطن العربي (خريطة رقم 1) حيث ينصفها مدار السرطان، بل وتتجاوز هذه الصحاري قلب الوطن العربي نحو اطرافه لتطل على الخليج العربي شرقاً وعلى سواحل المحيط الاطلسي غرباً ولا يحدّها عن سواحل البحر المتوسط سوى جبال الاطلس في المغرب العربي ومرتفعات بلاد الشام في سوريا ولبنان والاردن وفلسطين، وبذلك تشكل الصحاري العربية جسراً أرضياً عظيماً يربط جناحي الوطن العربي الآسيوي والافريقي، وقد شكلت الصحراء رغم جفافها معبراً للهجرات العربية وللفتوحات الاسلامية نحو أقطار آسيا العربية وآسيا ونحو أقطار افريقيا العربية وافريقيا، فاتسعت رقعة الامة العربية والاسلامية اتساعاً كبيراً وخاصة في هذين الاتجاهين (آسيا وافريقيا).
"إني حَصَان فما أُكّلم ، وثَقَاف فما أُعَلَّم"
أم حكيم بنت عبد المطلب
أرجو ألا تظنوا أنه موقف عليائي، وأن أم حكيم -رضي الله عنها- قد استبد بها الغرور فقررت التوقف عن تحصيل المعرفة. بل هي وصفت نفسها بالثقافة لا بالمعرفة، وشتان شتان ما بين الاثنين. المعرفة في المحصلة العامة تجميع للمعلومات مع بعض العمليات التنظيمية التي تضمن للعقل استرجاع المعلومات بالشكل المناسب وفي الوقت المناسب. وقد يكون لأحدهم اطلاع موسوعي، وقد يختزن عقله الكثير من الأرقام والنسب والأحداث والمقولات، لكن إياك أن تظن أنه مثقف بالضرورة، هو عارف وحسب.
أما المثقف (أو الثقاف كما وصفت أم حكيم نفسها بصيغة المبالغة) فهو شخص لا يحتاج أن يُعلّم، لأنه تعلم كيف يتعلم، وخبر آليات اكتساب المعرفة، وتجاوزها إلى شيء أكبر وأعمق: الثقافة. وهذا لا يعني أن المثقف عارف بكل شيء، بل هو يملك قاعدة معقولة من المعارف، انطلق من كتفيها إلى أفق أرحب وهو التثقف. وعلي أن أشير هنا إلى اللبس الذي كثيرا ما يحدث بين الثقافة التي أتكلم عنها (أو المثقفيّة نسبة إلى كون الشخص مثقفا) Intellect وبين الثقافة بمعنى القيم والسلوكيات السائدة في مجتمع ما أو مؤسسة Culture.
متهورون.. هذه هي الكلمة التي وُصِف بها أبناء المقاومة الكويتية الذين كانوا يحاربون "بالشوازن" و"النباطات" الجيش العراقي المدرع بالسلاح والعتاد
متهور.. وَصَف الصحابة بها البراء بن مالك في معركة اليمامة حينما قذف نفسه بالمنجنيق ليقتحم حصن حديقة الموت.. وفتح باب الحصن
مجنون.. هو الوصف المناسب لماجلان قبل أن يكتشف كروية الأرض.. بطل.. هو الوصف المناسب لماجلان بعد أن طاف الكرة الأرضية بسفينته "ترينيداد"
إن العقلية التي خرج بها أبناء الكويت المتضامنون على أسطول الحرية.. هي نفس العقلية التي قاتل بها جماعات ضعيفة العتاد قوية المبادئ جيش نظامي مسلح عظيم في الغزو.. وقيل عنهما نفس الكلام.. متهورون.. وكم حذرت أمهات أبناء المقاومة أبناءهم من مواجهة العراقيين وجلسوا على عتبة باب البيت يشدون ثياب أبناءهم ويصرخون باكين: لا تخرجوا ! فينظر إلى أمه نظرة مودع ويقبل رأسها ثم يدير ظهره وينصرف.
الصفحة 122 من 433