إلى أستاذ الفلكيين العم الدكتور صالح العجيري رعاه الله
اعذرهم سيدي حينما يستغرب الناس معاني روزنامتك (التقويم الفلكي للأرصاد الجوية).
اعذرهم حينما يستغربون أن ارتفاع درجة حرارة الأرض درجة واحدة في الربيع تذيب ثلوج أعالي الجبال، فتغرق الهند وأفغانستان وأوروبا في فيضانات عارمة.
اعذرهم حينما لا يفهمون أن انحباس الغاز تحت بشرة الأرض في الجبل يجعل البراكين تزأر، فيزحف الطمي المصهور بالمعادن للأودية كما في (كولومبيا 1971) و(جلاريوس المكسيك 1993م) ويسبب كوارث لا حصر لها.
اعذرهم حينما يستغربون أن تحرك شيطان الأرض -كما يسميه الناس في اليابان- سبع درجات يزلزل الأرض في دقائق، ثم يتحرك مرة أخرى في إيران فيقلب عاليها سافلها.
سبق وأن تكلمنا عن التعليم وأهميته وأثره في بناء الفرد والمجتمع ، كما قلنا إن الإسلام قد رفع من شأن العقل الإنساني ، وحث الإنسان على استخدامه والنظر في الكون وعمارة الأرض ؛ قال تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)[2].
وقال جل شأنه : (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) [3].
وقد اهتم الإسلام بالإنسان ، وحرص على تنمية مهاراته في مختلف المجالات ، ودعم روح الإبداع لديه ، كما عمل على تسخير كل السبل المتاحة لتوجيه ملكة الإبداع لديه واستثمارها ، وتوظيف مواهب الإنسان توظيفاً لائقاً بالكرامة الإنسانية ، ليقوم كل فرد في المجتمع بالإبداع في مجاله ، في تخصصه ، في مكانه الذي يعمل فيه ، وذلك من خلال ما يلي :
لقد تأخرت كثيراً في نشر كتاباتي الأدبية إن شعراً أو نثراً، تلك الهواية التي كانت طي الخصوصية والتي تم تقييمها، فأعدِّت للنشر والقراءة.
يخلط بعض الناس حينما يقرأ شعراً بين ما يقع من معاني الحيوية والذكاء أو العبث، الإخلاص والتفاني أو التعلق بمظاهر الحياة وأهوائها. لذلك انتظرت حتى وصلت إلى مرحلة من العمر أقهر ما جنى علينا به العصر الحديث من فهم غير صحيح لمعنى الفرق بين ما تضطرم نفوسهم بالمثل الأعلى للجمال والحنان والوفاء والإخلاص وفوضى الأشياء.
إن حقَّي الأدبي لمن يقرأ لي يتطلب ألا تقع كتاباتي بين ما هو عود ثقاب وقنديل، وبين ما هو واحة ظليلة وغابة صاخبة.
لعلها طبيعتي التي لا تكترث كثيراً بالطلاء الخارجي للإنسان بقدر اهتمامها بالقيمة الإنسانية للفكر والوجدان. تلك القيمة الجوهرية التي لا ترى إثمـاً بأن تبوح بصدق الشعور.. هي راحتي التي أجدها في الشعر، والتي ورثتُ فضلها عن والدي، لقد أيقظ فيّ روح الحرية والعطاء، وشحن فيّ الإصرار حينما علّمني كيف أكتب أول رسالة، وأقراء أول قصيدة شعر.. إنها عاطفة خاصة أدبية روحية تربطنا.
في مثل هذا اليوم تأتى الذكرى الأولى لرحيل عميدة عائلة الحوطي عمّتي منيرة عبد اللطيف إبراهيم الحوطي.
كانت من البشر الذين اصطفاهم الله، محاكاتها همسٌ ولين، وجوارها لا يُرهق، ومصاحبتها لطفٌ وحنان، مرافَقَتها كحامل المِسْك، تَحُفُّه الرياحين، وظلُّ الجنان. هداياها أساور من رضاً ومحبّة، وأداؤها تُقىً وزكاة، وثوبها وشاحٌ من برٍّ ووُدٍّ وإخلاص.
رؤيتها تبشّرُكَ كأنّها اليُسر، ومصاحبتها تكفل قُرّة العين.معانيها شريفة، وألفاظها جميلة، أمّا تقاليدها فهي التسبيح والاستغفار. أعمالها صدْقُ النيّة والقلب والضمير، أمّا روحها فَتِلكَ هي الرفيعة الحُسن.
أمضت حياتها بالخيرات، وانتهجت الأصول بالرحمات فأفاءتْ بظلّها على من حولها بالبركات. رحلت، كقطرة ماء النّدى النقيّة، طاهرةً مطهّرة. ذهبت إلى حيث السلام وفسْحة النور، والرّاحة عند ربٍّ كريم.
أتذكر من طفولتي أن شوكولاتة "فْليك" (وبعض المنتجات الأخرى أيضا) كانت شيئا ثمينا جدا، يُجلب للأحباب "صوغةً" حين القفول من السفر. تلك كانت مقاطعة رسمية حكومية تمنع دخول منتجات الشركات التي لها صلة مع الكيان الصهيوني. وحدث ما نعرفه جميعا: "كل ممنوع مرغوب"، ولقت هذه المنتجات رواجا عظيما. وهذا درس ثمين في فن المقاطعة: المبادرة يجب أن تبدأ من الجماهير، من قاعدة الهرم لا أعلاه.
كبرنا، وجاءت في 2005 أزمة "يولاندس بوستن" التي نشرت رسوما مسيئة للنبي -عليه الصلاة السلام- وأعادت مطبوعات أوربية أخرى نشرها تضامنا معها. فكانت نتيجتها مقاطعة شعبية كاسحة، ومظاهرات غاضبة، وأعمال عنف، بالإضافة إلى تصريحات رسمية شديدة اللهجة. اعتذرت الصحيفة اعتذارا مواربا. هدأت السَوْرة مع الوقت، وعدنا نستهلك الزبدة الدنماركية وكريمات الفيوسيدين!
* * * * *
إذا كان التعليم هو أساس رقي الشعوب ونهضة الأمم ، وبالعلم يتم البناء والإعمار ، وبالعلم تنضج العقول وتولد عظيم الأفكار ، فلابد من الاهتمام بالتعليم والعلم والعلماء والمعلمين .
- والاهتمام بالتعليم يكون عن طريق بناء المدارس والمعاهد والجامعات ، وبأن يكون التعليم بالمجان ، مجانية حقيقية وليست شكلية ، بحيث يُقبل ويَقدر عليه ابن المعدم والفقير ، كما يقبل ويقدر عليه ابن الغني والوزير.
- والاهتمام بالتعليم يكون عن طريق وضع مناهج تعليمية تنبع من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف ، والبعد كل البعد عن التقليد والنقل غير المدروس لعادات وتقاليد ونظريات بالية ، وعلوم لا نفع فيها ، بل وتتعارض مع مبادئ ديننا وأعرافنا وتقاليدنا.
- أيضاً فإن الاهتمام بالتعليم يكون بالاهتمام بالمعلمين ، ورواتبهم ، ومكافآتهم ، بحيث تغنيهم عن مهانة الدروس الخاصة ، وعلى الجانب الآخر وضع عقوبات صارمة لكل من يبع كرامته من أجل درس خاص أو لمحاباة طالب .. الخ مما يهدر شخصية المعلم ويحط من كرامته وقدره واحترام الطلاب له ، كذلك فإنه من الضرورة بمكان لاعتدال كفة الميزان أن توضع عقوبات أشد صرامة لمن يهين معلماً ، أو يعتدي عليه بقول أو بفعل ، أو يعين على ذلك .
الصفحة 13 من 433