كما هو معروف فإن طبيعة الهيكلية الدولية تحولت وانتقلت من حالة التعددية القطبية إلى حالة القطبية الثنائية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ودخل العالم في فترة تقارب 45 عامًا من حالة القطبية الثنائية بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، وبذلك دخل القطبان حالة من حالات الصراع المستدام الذي كان يطلق عليه في تلك الفترة بالحرب الباردة، ومن ثم حدث تطور هام جدّا في طبيعة الهيكلة الدولية بحلول العقد الأخير من القرن المنصرم، وهو تفكك الاتحاد السوفيتي وانتقال الهيكلية الدولية إلى نظام أحادي القطبية.
هيمنت الولايات المتحدة الأمريكية منذ تلك الفترة حتى الآن -رسميًّا- على هرم القطبية الأحادية، على الرغم من أن معالم الهيكلية الدولية الحالية مشوهة وغير واضحة، بحيث يمكننا أن نتلمس ذلك من خلال أهم القطاعات التي ترتكز عليها الدول وهي القطاع العسكري والاقتصادي، وقدر تعلق الأمر بالقطاع العسكري فإن الولايات المتحدة الأمريكية تعد عسكريًّا ذات هيمنة على العالم بحيث أن أقرب منافسيها وهي الصين وروسيا مجتمعتان لا يمكنهما الوقوف في وجه الترسانة العسكرية الهائلة للولايات المتحدة، ونستنتج هذا من إحصائيات تاريخية للإنفاق العسكري، ففي عام 1945 شكّل الإنفاق على الدفاع حوالي 90% من إجمالي الإنفاق العام الأمريكي ومن ثم تعرض هذا الرقم إلى تراجع وتقدم في فترة الحرب الباردة والحرب الكورية وحرب فيتنام وما بعدها، وذلك بحسب طبيعة احتدام الصراع والتنافس الدوليّ مع جميع المنافسين وليس الاتحاد السوفيتي فقط، ويلاحظ ان نسبة الإنفاق العسكري إلى إجمالي الإنفاق العام ظلت في تراجع مستمر حتى بلغت 16.1% فقط من إجمالي الإنفاق العام في عام 1999.
بدايةً، إن الحديث عن الأهداف الإستراتيجية يحتاج إلى رؤية معمقة وقدرة فكرية عالية ومتخصصة في طبيعة الإستراتيجية نفسها؛ لأن صناعة الأهداف الإستراتيجية ليست بالعملية الهينة إطلاقًا وتعد من الأمور التي هي في غاية الصعوبة بمحل؛ بسبب كونها مرتبطة بمصير الأمم والشعوب وبقاء الدول واستمراريتها، وإن التقديرات الخطأ من قبل صانع الهدف أو مكونه قد تودي بالدول إلى مآزق وأزمات حادة وحرجة تجعلها تستنزف كل طاقاتها وإمكانياتها في سبيل تحقيق هذا الهدف أو حتى إبقاء الوضع على ما هو عليه إذا ما تعرض هذا الهدف إلى التقويض والفشل في التنفيذ. وإذا ما أردنا أن نضع عملية صناعة الأهداف في أي مفصل من مفاصل الإستراتيجية، لوضعنا عملية صناعة الأهداف في بطون وحواضن الفكر الإستراتيجي؛ لأن الفكر الإستراتيجي هو المسؤول الأول والرئيسي عن بناء وخلق وتخليق(*) الأهداف من خلال تطوير الأفكار وتقليمها وصوغها في شكل مشاريع ونظريات متعلقة بالبيئة الإستراتيجية، هذا من جانب، أما فيما يخص حقل التحليل والتخطيط والأداء الإستراتيجي فإنها أقرب إلى عملية تقييم وتقويم الأهداف أكثر من صناعتها وتكوينها، وهذا لا يعني أننا ننفي أهمية هذه الحقول، بل على العكس من ذلك تعد هذه الحقول -وكما يعلم الجميع- أسس العملية الإستراتيجية وأهم مراحلها .
اتقدم بالشكر الجزيل الى" أ.م.د. سرمد زكي الجادر " ، رئيس قسم الاستراتيجية ، كلية العلوم السياسية ، جامعة النهرين ، استاذ مادة التحليل الاستراتيجي للعام الدراسي 2010/2011 ، على كل ما قدمه من ملاحظات قيمة وسديدة حول التحليل الاستراتيجي لكي يمكنني من ان انقل الى حظراتكم هذه الورقة البحثية ، فجزاه الله كل الخير، وادامه الله للعلم منارة . مقدمة يقصد بعملية التحليل الاستراتيجي للبيئة ((Strategic Analysis ، مراجعة كل ما يتعلق بالبيئة الداخلية والخارجية بغرض التعرف على أهم الفرص والتهديدات التي تواجه الدولة داخليا و خارجيا، ويجب أن تكون هذه العملية مستمرة لكي تخدم عملية نجاح والبناء الإستراتيجي ، وهناك معاير يجب اخذها بنظر الاعتبار عندما يتم التعامل مع بيئة الخطة الاستراتيجية والتي هي مجموعة من المؤشرات والمتغيرات التي تتداخل فيما بينها عندما يتم اعتماد التحليل الاستراتيجي لاي نموذج او لاي دولة سواءا موقف ما او حدث ما او صراع داخليا او خارجيا،
أولاً: البدايات الفكرية للقوة الذكية –الناعمة– الصلبة. تعد القوة الذكية من الأطروحات الحديثة نسبيا في الفكر الإستراتيجي الأمريكي الذي لطالما بحث عن التجدد الدائم في بطون الأفكار لكي يخرج لنا بأطروحات فكرية نموذجية متكاملة تكون بصيغة نظريات أو مشاريع او إستراتيجيات تأخذ طريقها إلى المجال التطبيقي من قبل مختلف الإدارات الأمريكية التي تعاقبت على الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث ظهر مفهوم القوة الذكية بعدما أصيبت الولايات المتحدة الأمريكية بخيبات أمل عسكرية في منطقة الشرق الأوسط بعد أحداث 11/أيلول/2001، خصوصًا في العراق وأفغانستان، وقد سبق أن تحدث "جوزف ناي "في بداية التسعينات وتحديدًا في عام 1991 في كتابه الموسوم بـ"القوة الناعمة" الذي يمثل أوائل الأطروحات الفكرية في مجال الفكر الإستراتيجي الأمريكي بعد الحرب الباردة. حيث روج هذا الكتاب على لسان كاتبه لفكرة القوة الناعمة التي تعني التعويل على وسائل غير عسكرية في ترسيخ الهيمنة الأمريكية في العالم، بحيث تعد العولمة بشتى تفرعاتها -السياسية والاقتصادية والثقافية- أداة من أدوات القوة الناعمة التي تحدث عنها ناي، ومن بين أهم أدواتها أيضا (الدبلوماسية الشعبية) والتي تعني التواصل بين جميع الثقافات حول العالم للاشتراك في حل المشاكل الكونية التي تهدد الكوكب، والتي تروج لضرورة إشراك الشعوب بالحكم عن طريق بث روح الديمقراطية في هذه الشعوب وتشجيعهم على المطالبة بحقوقه، ودعم الحريات وضرورة الحصول على أكبر قدر من الديمقراطية، بالإضافة إلى دعم الحركات التي ترغب بالتحرر والانفصال وتقرير المصير. وهناك أمر مهم جدًّا؛ الأمور التي أراها في جوهر"القوة الناعمة" وهو تشجيع الانقلابات والثورات وإحداث التغييرات في العالم عبر ممارسة هذا النوع من النفوذ الخفي وغير المباشر في التأثير على الشعوب والأمم، عبر مؤسسات تدعمها الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم ولها مقرات في الكثير من الدول، كالأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني وكمؤسسات الهجرة والمؤسسات التي تُعنى بحقوق الإنسان والديمقراطية، والمنظمات التي تعنى بمجال التكنولوجيا، والمنظمات التي تشجيع الدراسة في أمريكا عبر مشاريع مختلفة كمشروع فولبرايت الذي يطبق في العراق حاليًّا، ومشروع التبادل العلمي والتكنولوجي من خلال المكتبة الإلكتررونية العراقية الأمريكية والمرتبطة بالكونكرس بشكل مباشر، والتي تمكن الكثيرين من الاطلاع على آلاف الكتب والمقالات والبحوث في شتى مجالات البحث العلمي، وكل ذلك يدخل من ضمن ما يسمى القوة الناعمة.
إليك أيها الإنسان حيثما وجدت، ومهما كانت جنسيتك أو ديانتك. إليك أيها المسلم خاصة وأنت تؤمن بالله واليوم الآخر، إليك هذه الكلمات التي فجّرها واقعنا المرير الذي نعيشه! إليك وقد أهملت الدين العظيم الذي بثّ تعاليمه رسولنا الكريم سيد الإنسانية والبشرية جمعاء محمد -عليه الصلاة والسلام-. إليك وقد تغافلت وربما أنكرت قوله تعالى: {ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار} (سورة إبراهيم). إليك وقد حللت ما حّرمه الله على نفسه، فعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قال الله تبارك وتعالى: "يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا؛ فلا تظالموا" (رواه مسلم وغيره). إليك وقد غفلت أو تغافلت عن أبسط مشاعر الإنسانية، وحينما وأدتَ الفطرة التي تدعو دائمًا إلى كل خير وتنفر من كل شر وتنبذ كل عنف وتحرم كل ظلم. إليك حينما استولت عليك الشهوة وتبلدت مشاعرك وتحجّر قلبك ومات ضميرك، فهان عليك ظلم أخيك الإنسان. لماذا تتغافل وتنكر حقوق الآخرين وتسلبها بكل وقاحة وتستغفل أصحابها بكل جبروت واستعلاء؟ لماذا تتحدى كل القيم والأعراف والمشاعر؟ لماذا تنكر وتجحد أقرب الحقوق إليك وأمسّها إلى حاجتك؟ أليس من حقك أن تعامل الآخرين بمثل ما تحب أن يعاملوك به! كيف تقبل الظلم لغيرك وأنت لا تقبله لنفسك! ألا تحتاج إلى رحمة الآخرين بك وشفقتهم عليك إذا أخطأت يوما أو ارتبكت بحق أحدهم مظلمة، أتظن نفسك غنيًا عن الآخرين وفوق حاجتهم ولن تحتاج إليهم أبدا؟ أتنكر أنك كما تدين تدان؟
تعلمنا من أساتذتنا خلال الدراسة الأكاديمية لحقل الإستراتيجية، أن الدول ذات الإستراتيجيات العظمى تسعى إلى تحقيق أهدافها بشتى الوسائل، وهذه الوسائل ناتجة عن إمكانية موظفة نتج عنها قدرة تمكنها من لعب دور لكي تبحث عن مكانة لها لتحقيق أهدافها، بمعنى أن الدور الذي تريد أن تلعبه دولة ما في النظام الإقليمي المحيط بها أو النظام الدولي (العالمي) هو نتاج لتسخير واستغلال الموارد المتاحة، والعمل على توظيف الموارد غير المستغلة بما يؤهلها إلى أن تصنع لنفسها دورًا نتج عن توظيف إمكانياتها للبحث عن مكانة في النظام الإقليمي أو الدولي، من خلال السعي الدؤوب لتحقيق الأهداف المرسومة إستراتيجيّا، وهذه الأهداف يكون لها صلاحية ومدة معينة وهي تسمى بـ (صلاحية الأهداف) أي المدة المحددة لإنجاز الهدف، وفقا لعملية تخطيطية لبيئة الهدف الإستراتيجي، وبالطبع عملية التخطيط الإستراتيجي للأهداف مسبوقة بعملية تحليل بيئة الهدف الإستراتيجي الداخلية والخارجية، أي الاطلاع على كافة الفرص والتهديدات وتشخيص نقاط القوة والضعف في هذه البيئة، والأخذ بعين الاعتبار كافة المتغيرات التي من الممكن أن تؤثر في أداء الهدف الإستراتيجي، لكي يكون الفعل الإستراتيجي ذو كفاءة عالية ومردود يتناسب مع ما وُظف له من إمكانيات لغرض النجاح الإستراتيجي، هذا من جانب، أما من جانب أخر هناك خطورة على أي هدف يُعلن، وهذه الخطورة تعني عدم تحقيقه في المدة المحددة وبالتالي حدوث تشوه أو انحراف إستراتيجي في معالم الهدف، ويُعزى هذا التشوه أو الانحراف عن المسار المرسوم له هو نتيجة لضعف الرؤية المستقبلية التخطيطية لظروف البيئة الإستراتيجية المراد توجيه الهدف نحوها، وكذلك عدم تقسيم الهدف الإستراتيجي إلى مراحل، والتي تدعى "الأهداف التكتيكية" المرحلية التي هي بمثابة سلسلة متصلة مع بعضها بحيث لا يمكن الانتقال من هدف مرحلي إلى آخر دون نجاح الهدف الأول، وقيمة هذا النجاح تبنى على أساسها بداية الهدف المرحلي الثاني الذي يعتمد على معطيات نجاح الهدف المرحلي الأول، أي أن النتائج التي كانت متوقعة لن تتحقق بسبب عدم نجاح الأهداف المرحلية التكتيكية بشكل متتابع، وأيضا ضعف في المساحات الذهنية للمخطط الإستراتيجي وعدم شموله لكافة المتغيرات التي من الممكن أن تجعل من الهدف بمثابة مستنقع تغرق فيه عقول المفكرين الإستراتيجيين.
الصفحة 97 من 433