شهدت بلدان أوروبا الغربية خلال القرن الثامن عشر نهضة علمية شاملة؛ فتنوعت الأبحاث والتجارب لتشمل مختلف فروع العلم، ولتؤدي إلى اختراعات واكتشافات مهمة كانت السبب المباشر في قيام الثورة الصناعية خلال القرن التاسع عشر. وهي ثورة كان لها الأثر البالغ على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية سواء أفي أوروبا أم خارجها.
واحتدم التنافس بين الدول الصناعية للسيطرة على مصادر المواد الخام والأسواق الخارجية؛ مما نتج عنه تفاقم الاستعمار وانقسام العالم إلى جزأين؛ جزء مهيمن تمثله البلدان الصناعية وجزء مستغل تمثله بلدان أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية.
أما بالنسبة إلى الجانب الثقافي فقد رافقت الثورة الصناعية انتعاشة ثقافية كبيرة كان من ثمارها الإيمان بقدرة العقل البشري وبأهمية العلم والتقدم، وقد نشطت الحياة الثقافية عبر مراكزها التي انتشرت في كل مكان من أوروبا. وأثرت الحضارة الغربية على حياة الفرد الذي أخذ ينهل مما توفر له من أسباب التعلم والثقافة؛ فأسهم ذلك في رفع مستوى الوعي.
إن القارئ للتاريخ يعرف بأنه في الحقيقة ليس هناك قوانين تحكم التاريخ؛ إلا قانونًا واحدًا وهو قانون العناية الإلهية، ولأنني أكتب الكتب الممنوعة من النشر في بلدي الجزائر، ولا توجد دار نشر واحدة ـ حسب علمي ـ قبلت نشر عمل من أعمالي، أو حتى قصة قصيرة، فأنا بالنسبة لهم (ابن حداد) وأبناء الحدادين مشهورون في التاريخ بأنهم يسبّبون المشاكل، وقد يصلون للحكم. والأمر الثاني أنني من طبقة المواطنين؛ لأنه في الجزائر ـ للأسف ـ عرفتُ نظام الطبقات، مثل الممالك القديمة، لكن في الجزائر هناك طبقتين: طبقة الحكوميين، وهم الذين يحكمون البلد ويسيطرون على كل شيء، ويحتكرون السلطة والثروة، مخالفين المقولة التي قالها المفكر راسل: (الديمقراطية هي العدل في توزيع السلطة والثروة) والحقيقة هم يتجاوزون مليون جزائري يمتلكون حسابًا بريديًّا تصب فيه رواتبهم كل شهر؛ لهذا فهؤلاء أغلبهم ينتمون إلى حزب جبهة التحرير الوطني لكن ليس هذا الحزب ورث التسمية من الجزائرين الذين كافحوا الاستعمار الفرنسي لهذا تجد كلمة جبهة التحرير، ولا بأس أن نقول بأنه الآن تحوّل إلى شبه نادٍ للراغبين في الوصول إلى السلطة من الحكوميين. أما الطبقة التي أنتمي إليها أنا وأغلب الجزائرين هي طبقة المواطنين الذي لا يمتلكون حسابًا بريديًّا ولا يتلقون رواتب من الحكومة هؤلاء هم في الحقيقة ـ إن لم أظلمهم ـ هم شعب الجزائر الحقيقي،
منذ سنة كتبت كتابًا بعنوان (الجدار الأخير). كنت أحاول كسر عقدة الخوف من التفكير في المجتمعات العربية، فكانت حرية التعبير تدفعني للكتابة والتعبير عن أفكاري وإيصالها لكل الناس لعلني أغير فكرة أو أضيف فكرة. وكانت تجربة ممتعة ورائعة، بحثت، قرأت الكثير من الكتب. ولألخص أفكارًا مع أفكار الآخرين أكتشف أنهم كانوا أكثر جرأة مني؛ فكتاب ألف ليلة وليلة كان يستهويني، كنت أحب شهرزاد وأعشقها وأعتبرها بطلتي، ثم قلت ألم تنتفخ أيادي الخطاطين من كتابته؟ وكيف كان لهذا الكاتب أن يكتب كل هذه القصص الغريبة والمختلفة؟ كنت أفتخر أنه مكتوب باللغة العربية الأصلية، فالترجمات الغربية للأسف مختلفة عن النص الأصلي، ويمكنك شراء أي نسخة بالفرنسية وستكتشف أنها مختلفة عن الأصل. لم يتمكن المترجمون من ترجمة الأبيات الشعرية التي لا يستطيع الغربي الإحساس بها. فأقدم ترجمة إنجليزية ترجع إلى سنة 1706، يعني لم يستمتع الغرب بقصصها إلا في القرن الثامن عشر. والعجيب أن الأدب الإنجليزي لم يكن ينقصه إلا الخيال الذي حاول وليام شكسبير تحريكه لكنه لم يستطع أن يصل إلى مستوى كتابة ألف ليلة وليلة، ولو تمكن شكسبير من قراءة هذا الكتاب الذي سمي بالليالي العربية لتغير المسرح الذي كان يقدمه شكسبير.
إن ما تعرفه الحركة الجمعوية في الوقت الراهن من دينامية وتطور، يفرض تبني سياقات معرفية جديدة، قادرة على الإجابة التنظيمية المتعلقة بالإشكاليات التي أصبحت تطفو على السطح، وتؤثر إيجابًا وسلبًا على الممارسة الجمعوية، ومن أبرزها: تلك المرتبطة بمسارات تداول المعلومات والقرارات وكيفية إشراك الجميع في عمل أي هيكل جمعوي قائم. علاوة على ذلك، مشكل التوثيق الذي يعتبر الداعم الأساسي، لتلك المعلومات والقرارات والسند الرئيسي لتراكم التجارب على مستوى الجمعيات. إن ذلك يحتم ضرورة الاستناد على نظام جديد لتسيير المعلومات والقرارات، مع كل ما تحمله في طياته كلمة (نظام) من دلالاتٍ ومعانٍ عميقة، من قبيل المَأْسَسَة الفعالة والنَمْذَجة الإيجابية، وما توحي به صيغ التعامل المحوكم من التدبير الجيد والتسيير الرشيد والأداء الشفاف والغاية ذات المصداقية والرؤية المتسمة بالنجاعة والكفاية. هكذا، ومن أجل ضمان فعل جمعوي يتسم بالريادة، والتأسيس لأخلاق جمعوية سامية، فإنه من المفروض على التنظيمات الجمعوية الأخذ بالمبادىء الكبرى والقيم الأساسية للحكامة الجيدة، والحرص على تطبيقاتها العملية، من حيث هياكلها من جهة، ومن حيث تسييرها من جهة ثانية.
يعتبر قطاع غزة جزءًا لا يتجزأ من أراضي فلسطين التي انتهى عنها الانتداب البريطاني بتاريخ 15 / 05 / 1948، حيث كان من نتائج حرب عام 1948م أن ظل قطاع غزة تحت السيادة العربية الفلسطينية مع خضوعه لرقابة وحماية القوات المصرية في فلسطين، في حين خضعت الضفة الغربية لحكم المملكة الأردنية وذلك حتى الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة والضفة الغربية في يونيو 1967م. بحيث أصبحت فلسطين أراضي محتلة واقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي، وذلك بموجب المادة (42) من اللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية، الصادرة في لاهاي 18 / تشرين الأول / 1907م، وقد نصت هذه المادة على ما يلي: "تعتبر أرض الدولة محتلة حين تكون تحت السلطة الفعلية لجيش العدو ولا يشمل الاحتلال سوى الأراضي التي يمكن أن تمارس فيها هذه السلطة بعد قيامها"، وينطبق ما جاء في نص المادة المذكورة على واقع الأراضي الفلسطينية، حيث قامت القوات الإسرائيلية بشن حرب عدوانية عام 1967م تمكنت فيها من احتلال الأراضي الفلسطينية، وتولت مهمة إدارة هذه الأراضي بإقامة إدارة عسكرية، ولهذا الغرض تولى (حاييم هيرتسوغ) السلطات الثلاثة التشريعية، والتنفيذية، والقضائية؛ وذلك بموجب البلاغ العسكري الثاني الذي أصدرته إسرائيل مباشرة عند احتلالها الأراضي الفلسطينية، وأعلنت في البلاغ الثالث الذي صدر عشية الاحتلال أنها ستقوم بتطبيق اتفاقيات جنيف، فقد جاء في المادة (35) من البلاغ الثالث: (... ينبغي للمحاكم العسكرية ورجالها تطبيق أحكام معاهدة جنيف المؤرخة في (12 / آب / 1949م بخصوص حماية المدنيين أثناء أيام الحرب، بصدد كل ما يتعلق بالإجراءات القضائية، وإذا وجد تناقض بين هذا الأمر وبين المعاهدة المذكورة تكون الأفضلية لأحكام المعاهدة) [1].
مقدمة:
إن سؤال التجلي يظل سؤالاً محوريًا في هذه الدراسة، باعتبارها دراسة تتوخى إماطة اللثام عن الإرهاصات الأولية لتجلى مفهوم "الحكامة"، ومدى تبلور أبعاده وانبثاق مبادئه ببلادنا، وهي الإرهاصات التي تجعل من نمط الحكامة بالمغرب نمط حكامة في حالة انتقال، أو ما يمكن تسميته بـ"الحكامة الإنتقالية"، باعتبار المغرب لا يعيش في الوقت الحالي تجسيدًا حقيقيًّا للحكامة، بأبعادها الإيجابية المتعددة، حكامة ممأسسة، قائمة الوجود - رغم تأكيد دستور 2011 على دسترة آلياتها، كخطوة أولى نحو ترسيخ أسسها ومبادئها في عمق التحول السياسي، الذي ما فتئت تعرفه بلادنا - وإنما يعيش في ظل التأسيس لنظام "حكامة" انتقالي/إرهاصي يعرف مخاضات النشأة والتبلور والتحول من حكامة سيئةMauvaise Gouvernance) ) إلى حكامة جيدة .(Bonne Gouvernance)
الصفحة 56 من 433