بحث عن: (عبد العزيز البشري) ـ الأديب الساخر، إبراهيم إبراهيم محمد الوكيل طالب ماجستير في الأدب والنقد. المقدمة: حمدًا لمن خلق الإنسان وخصه بالعقل والبيان. وصلاة وسلامًا على نبيه محمد أفصح العرب لسانًا، وأوضحهم بيانًا، وأسلمهم لغة، وأجودهم مثلًا، وبعد: الفكاهة هي مطلب الناس جميعًا منذ أبعد الأزل... يستوي فيها فقيرهم وغنيهم، وواجدهم ومحرومهم، وجادهم وعابثهم، والترويح عن النفس ليس محرّمًا ولا ممنوعًا ولا مكروهًا إلا إذا كثر فشغل عن الجد، وأفضى إلى إماتة القلب. ما أحوجني إلى ضحكة تخرج من أعماق صدري فتداوي نفسي ضحكة حية... صافية عالية، ليست من جنس التبسم، ولا من قبيل السخرية والاستهزاء، ولا هي ضحكة صفراء لا تعبّر عما في القلب، وإنما أريدها ضحكة أمسك منها صدري، وأفحص منها الأرض برجلي، ضحكة تملأ شدقي، وتبدي ناجذي، وتفرج كربي، وتكشف همي. من غرائب التكوين أن لكل إنسان طاقة محدودة في الهزات العاطفية لا يمكنه تجاوزها دون الإخلال بالتوازن والوقوع في النقيض وشدة الضحك تُبكي وتُدمع العين... كما أن شدة الحزن توصل إلى الضحك الجنوني. والسخرية هي فكاهة تشتمل على المرارة النفسية... وعلى فلسفة ذاتية لصاحبها. وتلعب الفكاهة دورًا هامًّا في حياة المجتمع؛ لأنها تهدف إلى إصلاح تقاليده وعاداته وعلاج أمراضه.
لقد شاع في الكتابات السياسية والقانونية، والدراسات الاجتماعية أن عهد الإنسان بالوثائق والشرائع التي بلورت حقوقه الإنسانية، أو رسمت ملامح المبادئ الإنسانية العامة، قد بدأ بإعلان حقوق الإنسان والمواطن "La Déclaration des droits de l'Homme et du citoyen" الذي ظهر عام 1789م، ويؤكد الغربيون أنهم استمدوا تلك الحقوق من مبادئ الثورة الفرنسية الكبرى التي أطاحت بالملكية والإقطاع.
فدخلت مضامينها ميثاق الأمم المتحدة سنة 1934م، ثم أفردت دوليًا بوثيقة خاصة هي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي أقرته الأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948م.
ذلك هو التاريخ الشائع لنشأة مواثيق حقوق الإنسان التي ما فتئ العالم يدندن باسمها. لكن إذا نظرنا إلى تاريخ الإسلام نجد أنه تقرر إعلان المبادئ الإنسانية العامة في أول دستور للدولة الإسلامية في المدينة المنورة، وأذاع بها رئيس الدولة وهو رسول الله - عليه الصلاة والسلام - في خطبة حجة الوداع، والتي سبقت إعلان الأمم المتحدة بأكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمن.
لذلك؛ ونحن بصدد التعريف بهذه المبادئ السمحة كما بيناه في شقه الأول من المقالة الأولى حول "وثيقة السلام"، ولكي نربط السابق باللاحق؛ تأتي هذه المقالة الثانية مبرزة الدور الأساسي من بناء مجتمع متسامح متكافل في حدث شبيه بالمعاهدات السياسية الدولية البارعة، التي أبدع فيها عليه الصلاة والسلام حلولاً يسيرة وموفقة، وكان يعقدها مع خصومه في إقرار السلم والأمن لتحقيق التعايش؛ جاءت معاهدة "صلح الحديبية"، التي أبرم فيها صلحًا تاريخيًا حلت به الهدنة محل الحرب التي ظلت قائمة لستة سنوات، وبذلك أمنت الطمأنينة والحرية للناس.
ومنذ ذلك الحين عرف المجتمع الإسلامي قواعد تحكم علاقاته الدولية واتصالاته بالأمم والدول الأخرى، وهي مستوحاة أساسًا من الشريعة الإسلامية بمختلف مصادرها ومواردها، أو من المعاهدات أو الاتفاقات الدولية التي ترتبط بها الدولة الإسلامية مع غيرها من الدول المجاورة، سواء كانت في حالة حرب أو سلم.
وقد تطورت دعائم القانون الدولي والعلاقات الدولية الإسلامية، وتوطدت أركانها وتنوعت أغراضها ووسائلها، تبعًا لتطور الأحوال الداخلية ومتغيرات البيئة الدولية.
لذلك صيغة هذه المقالة لإبراز الأبعاد الإنسانية في معاهدات الرسول - صلى الله عليه وسلم - لتكون دعوة هادفة إلى ترسيخ القيم والمبادئ الإنسانية، وإرساء نظريات التسامح من أجل تعايش كريم بين مختلف شعوب العالم المعاصر، وقطع الطريق على النظريات الصدامية الرامية إلى إرباك الوئام والسلام العالمي، وإضرام نار الحروب بين بني البشر، وإعاقة المسيرة الكونية عن الرقي الإنساني.
لقد عقد رسول الله عديدًا من المعاهدات لإيجاد حالة الصداقة وحسن الجوار مع القبائل المجاورة للدولة الإسلامية، كما عقدت معاهدات السلام وترك القتال مما يعود بالنفع على المسلمين بشكل خاص وعلى البشرية عامة.
وسأورد هنا أهم الأحداث التي كانت سببًا لإبرام الصلح الذي اصطلح عليه فيما بعد بـ"صلح الحديبية".
لقد جاء تفكير المسلمين في زيارة المسجد الحرام بداية لمرحلة متميزة في تاريخ دعوتهم، فقد عزموا على دخول مكة وهم الذين طُردوا منها بالأمس وحوربوا حيث استقرت بهم النوى، وظلت حالة الحرب قائمة بينهم وبين قريش لم تسفر عن نتيجة حاسمة.
فالنبي أراد بهذا النسك المنشود إقرار حق المسلمين في أداء عبادتهم، وإفهام المشركين أن المسجد الحرام ليس ملكًا لقبيلة تحتكر القيام عليه ويمكنها الصد عنه، فهو ميراث الخليل إبراهيم، والحج إليه واجب على كل من بلغه أذان أبي الأنبياء من قرون.
وإحرام النبي وصحبه بالعمرة فحسب آية على الرغبة العميقة في السلم، وعلى الرغبة في نسيان الخصومات السابقة، وتأسيس علائق أهدأ وأروق. وبذلك القصد السمح المهذب، استنفر رسول الله جمهور المسلمين وأعراب البوادي، وآذنهم أنه يريد العمرة ولا يريد قتالاً. لكن فريقًا من السفهاء حاول أن يشعل المعركة بين المسلمين وقريش، أما المسلمين فقد لزموا الهدوء وملكوا أعصابهم.
فأسرعت قريش إلى بعث سفيرها "سهيل بن عمرو" لعقد الصلح، فلما رآه عليه الصلاة والسلام قال: "قد سهل لكم أمركم، أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل" فجاء سهيل وتكلم طويلاً، ثم اتفقا على قواعد الصلح و هي كالآتي:
أولاً: الرسول – صلى الله عليه وسلم – يرجع من عامه هذا، فلا يدخل مكة وإذا كان العام القادم دخلها المسلمون فأقاموا بها ثلاثًا، معهم سلاح الراكب، السيوف في القرب، و لا تتعرض قريش لهم بأي نوع من أنواع التعرض.
ثانيًا: وضع الحرب بين الطرفين عشر سنين، يأمن فيها الناس، ويكف بعضهم عن بعض.
ثالثًا: من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، و من أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه.
رابعًا: من أتى محمدًا من قريش من غير إذن وليه رده عليهم، ومن جاء قريشًا ممن مع محمد لم يرد عليهم.
ومن أهم الوقائع التي حدثت في "صلح الحديبية" والتي تبين مدى تحلي الرسول – صلى الله عليه وسلم – بالتسامح الإيجابي الذي يرى فيه المستقبل للمسلمين وغيرهم، وإن تنازل عن بعض حقوقه القريبة فسوف ينالها في المستقبل القريب عظيمة ومضاعفة.
جاء سفير قريش "سهيل بن عمرو" فقال: هات اكتب بيننا وبينك كتاب، فدعا النبي الكاتب، فقال: اكتب باسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل: أما الرحمن فو الله ما أدري ما هو، ولكن اكتب باسمك اللهم، كما كنت تكتب.
فقال المسلمون: والله لا يكتبها إلا باسم الله الرحمن الرحيم، فقال رسول الله: اكتب باسمك اللهم، ثم قال: هذا ما قضى عليه محمد رسول الله، فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبد الله، فقال النبي: والله إني لرسول الله، وإن كذبتموني، اكتب محمد بن عبد الله على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به، فقال سهيل: لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغنة، ولكن ذلك من العام المقبل، فقال سهيل: على ألا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا.
تلك كانت معاهدة صلح الحديبية، وذلك كان خلق الرسول الكريم الذي تميز به عن غيره من الخلق، حيث أثبت فيما عقد من المعاهدات أنه عامل الطرف الآخر معاملة حسنة، وكان من شأنه أن لم يستبد، ولم يمل الشروط بدافع الانتقام والغيظ والغرور بقوته. وكان إذا عاهد مع المغلوبين عاهد كريمًا، فأقرهم على عقائدهم وشعائرهم، وأمر برعايتهم والمحافظة على أموالهم ووفر لهم حرياتهم.
إنها ميزة التسامح التي تخلق بها مع أعدائه في تنظيم سياساته الخارجية والداخلية، فكانت نبراسًا يستنير به أصحابه من بعده، فشيدوا بها نظمًا وقوانين تسع العرب والعجم، باختلاف أعراقهم و أجناسهم وأديانهم، فعاشوا في رحابة تسامح المسلمين، وتعايشوا في أرض قيل عنها أنها أرض التناقضات في كل شيء، لكنها صارت أرض التعايش والسلام.
المراجع المعتمدة:
1) فقه السيرة النبوية، منير محمد غضبان، 1419هـ، مطابع جامعة أم القرى، مكة المكرمة.
2) السيرة النبوية دروس وعبر، د. مصطفى السباعي، الطبعة الثامنة، 1429هـ – 2008م. دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، القاهرة.
3) الرحيق المختوم، صفي الرحمن المبارك فوري، الجامعة السلفية – الهند. ط1429هـ- 2008م. دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. بيروت- لبنان.
4) ويكيبيديا الموسوعة الحرة: الإعلان الذي أصدرته الجمعية التأسيسية الوطنية في 26 أغسطس 1789.
الجائزة العالمية للرواية العربية هي النسخة العربية عن الجائزة العالمية للرواية التي تمنح في بريطانيا، ومقر النسخة العربية دولة الإمارات العربية المتحدة، وتعتبر الجائزة أهم جائزة من نوعها في الوطن العربي تقدم لرواية واحدة خلال كل سنة، وقبل أن تمنح الجائزة النهائية تعيش الجائزة زخمًا لإعلانها عن لائحة طويلة ثم أخرى قصيرة، مما يجعل الاحتفاء بالرواية طويل الأمد زمنيًا، عكس الجوائز الأخرى التي تنتهي قصتها خلال الحفل الختامي الذي يستمر يومين أو ثلاثة، كما أن الجائزة تضمن للرواية الفائزة انتشارًا واسعًا بترجمتها للغة الانجليزية أو للغات أخرى، وقد ظلت الجائزة تسيطر على مجالها طيلة سنوات، ولم تنافسها جائزة أخرى في المجال، اللهم ما قيل حول كاتارا التي تبدو أنها في حجمها أو أكثر.
خلال السنوات القليلة الأخيرة، بدأت الانتقادات تتعاظم حول الجائزة، بين من يتهم الجائزة بتشويه المكونات الأساسية للرواية العربية، وبمنحها الجائزة لروائيين غير مؤهلين، وقد تجاوز البعض الانتقاد إلى التهم بين من قال أن الجائزة تنال لأغراض سياسية أو من قال بالمحسوبية، وآخرون شككوا في لجان التحكيم وكفاءتها.
لقد شملت سياسة القرب مختلف مناحي التدبير العمومي، وهي بمثابة أجرأة حقيقية للمفهوم الجديد للسلطة المنبثق ببلادنا مع إشراقات العهد الجديد، و الذي تطلب تكريسه وتفعيله إدخال جملة من الإصلاحات على نظام العمل الإداري، و بالتالي توفير مجموعة من الشروط الضرورية لتجديد أسلوب تدبير الشأن العام،كل ذلك كان لزوما أن يتم وفق منظور تحولي ومندمج؛ نظرا لتعقد العمل الإداري و ارتباطه بمجموعة من المعطيات العامة السياسية، والإدارية و الثقافية... (1) إنه إذا كان تدبير الشأن العام اتسم أثناء المرحلة الماضية بالعشوائية؛ فالأمل ظل معقودا على المفهوم الجديد للسلطة، الذي تزامن الإعلان عنه مع انطلاقة إرادة قوية عازمة على تغيير جل المفاهيم التي كانت سائدة و حان الوقت لمراجعتها و التخلي عنها بصفة نهائية" (2).هكذا جاء المفهوم الجديد للسلطة كقطيعة مع ممارسات سلطوية غير لائقة لما أصبح يعرفه المغرب من تحولات ديمقراطية وسياسية و اجتماعية ...قائمة على أسس الحوار والتوافق و المواطنة و تخليق الحياة العامة وتسييد ثقافة حقوق الإنسان...و هي التحولات التي فرضت تبني مقاربات جديدة في التعامل مع المواطن المغربي على شتى الأصعدة، وهي المقاربات التي يظل قوامها الأساسي الانطلاق من مرجعيات المفهوم الجديد للسلطة كمفهوم مرجعي مؤسس لسياسة القرب التي حاولت أن تشمل مختلف مناحي التدبير العمومي؛ ومنها أساسا الإداري والاجتماعي والأمني و القضائي. فقضائيا وبالنظر إلى أن التصورالملكي يرى أن "الحكامة الجيدة لن تستقيم إلا بالإصلاح العميق للقضاء" (3) ؛حيث "الأهداف المنشودة هي توطيد الثقة والمصداقية في قضاء فعال ومنصف، باعتباره حصنا مانعا لدولة الحق، وعماد الأمن القضائي، والحكامة الجيدة، ومحفزا للتنمية، وكذا تأهيله ليواكب التحولات الوطنية والدولية ، ويستجيب لمتطلبات عدالة القرن الحادي والعشرين؛" (4) فإن تبني سياسة للقرب القضائي أضحت مطلبا ملحا في ظل هذا الإصلاح وفي ظل المفهوم الجديد للعدالة والذي أسست له المرجعية الملكية سنة 2010، وفي هذا الصدد يشير الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية لشهر أكتوبر2010 إلى أنه "على غرار مبادرتنا للمفهوم الجديد للسلطة، الهادف لحسن تدبير الشأن العام؛ فقد قررنا أن نؤسس لمفهوم جديد لإصلاح العدالة، ألا وهو "القضاء في خدمة المواطن" وإننا نتوخى من جعل "القضاء في خدمة المواطن" قيام عدالة متميزة بقربها من المتقاضين، وببساطة مساطرها وسرعتها ونزاهة أحكامها وحداثة هياكلها وكفاءة وتجرد قضاتها وتحفيزها للتنمية والتزامها بسيادة القانون في إحقاق الحقوق ورفع المظالم". (5) إن الالتزام وعلى أعلى مستوى في الدولة بإصلاح المنظومة القضائية، عبر ترسيخ "المفهوم الجديد للعدالة،" بجعلها أكثر قربا وخدمة للمواطن، أي أن القيام "بالإصلاح الجوهري للقضاء" يدخل في إطار المحافظة على المكاسب الهامة في الحكامة المؤسساتية التي ما فتئت المؤسسة الملكية تحرص على الارتقاء بها والرفع من أجرأتها كإحدى "المقومات الأساسية للإصلاح المؤسسي العميق المنشود" (6) كالجهوية المتقدمة واللاتمركز الواسع. كل ذلك في سبيل "توطيد الدولة القوية بسيادة القانون والديمقراطية التشاركية وترسيخ حقوق الإنسان في أبعادها الشمولية، وجعل الإنسان في صلب التنمية
." (7)
شكّل العنوان مفهومًا جديدًا في عالم النصوص المتداولة في العالم وقت نزول القرآن، حيث لم يكن العنوان حاضرًا في النصوص القديمة، سواء منها النصوص الدينية (المقدسة) أو النصوص الإنسانية (الإبداعية)، بل إن الإنسانية لم تتنبه لأهمية العنوان إلا في قرون تالية ظهور الإسلام والقرآن، ورغم أن المسلمين عَنْوَنوا لكتبهم إلا أن العناوين لم يكن لها المدلولات الكثيرة التي يحملها العنوان اليوم، بل إن العناوين المتداولة قديمًا بعد القرآن كانت طويلة إلى حد ما، و قد يغلب عليها مفهوم المطلع المتداول قبل القرآن على مفهوم العنوان، سواء المفهوم الحالي للعنوان بدلالاته الكبيرة، أو المفهوم القرآني للعنوان الذي لم يحظَ بالاهتمام الكبير إلى اليوم. الاهتمامُ الذي أرمي إليه من خلال مقالتي اليوم، والذي سيتضح نسبيًّا في مقالي هذا وأتمنى أن يتضح أكثر من خلال إمكانية تطوير المقال لاحقًا، ولا ذلك الاهتمام الذي حظي به العنوان في كتب متفرقة قديمة منها أو جديدة، والذي لم يتجاوز دلالات العنوان في حد ذاته وبمقارنته مع المضامين المتداولة في السورة كلها.
نزل القرآن في مناخ عربي وشرقي كبير، توافرت في هذا المناخ نصوص كثيرة ومتنوعة، منها النص الذي يحمل قدسية (سواء الإلهي المصدر أو الإنساني المصدر) أو النص الإبداعي أو التقني، كل هذه النصوص افتقدت مفهوم العنوان بصفة نهائية، وغالبًا ما حمل النص عنوانًا بعد تداوله سنوات أو قرونًا بعد كتابته من طرف صاحبه، عناوين غالبًا كانت جُملية لا تحمل نفس الدلالات التي يمكن أن يحملها العنوان المفرد، إذا ما اتخذنا بعين الاعتبار ما أولاه الباحثون المعاصرون لقضية العَنْوَنة، ما اصطلح عليه لاحقًا علم العنوان(TITROLOGIE) الذي ساهم في صياغته وتأسيسه باحثون غربيون معاصرون منهم: جيرار جنيت G.GENETTE وهنري مترانH.METTERAND ولوسيان ﮔولدمان L.GOLDMANN وشارل ﮔريفل CH.GRIVEL وروجر روفرROGER ROFER وليوهويك LEO HOEKوغيرهم.
تواجه الإدارة الحكومية الاقتصادية في العديد من الدول النامية تحديًّا رئيسًا وهو عجز الموازنة العامة، وهو تحدٍّ مستمرٌ لم تنجح العديد من حكومات هذه الدول في مواجهته بالدرجة المنشودة؛ بل إن هذا التحدي آخذٌ في النمو بشكل كبير ومتزايد ويؤدي إلى العديد من الأزمات الاقتصادية المتتالية التي تواجه هذه الدول من تضخم في الأسعار وتراجع مستويات المعيشة.
ويمكن القول بأن استمرارية هذا التحدي تعود بالأساس إلى استمرارية طريقة التعامل التي تتبناها السياسات العامة الاقتصادية لهذه الدول مع عجز الموازنة العامة من خلال العمل المنتظم على زيادة الضرائب على العديد من السلع والخدمات وزيادة الرسوم الجمركية على العديد من الواردات؛ مما يؤدي إلى زيادة أسعار السلع والخدمات المحلية والأجنبية وارتفاع معدلات التضخم وتراجع معدلات التسوق والسياحة للمتسوقين وللسياح الذين يبحثون في الأغلب عن البلدان منخفضة الأسعار؛ وبالتالي تعمل الحكومة على مواجهة هذا التضخم الذي ساهمت في إحداثه بزيادة عجز الموازنة العامة من خلال زيادة الأجور زيادة طفيفة لا تغطي بأي حال الارتفاع السابق للأسعار.
ولكن هذه الزيادة الطفيفة في الأجور والإعلان المستمر عنها بشكل واسع في مختلف وسائل الإعلام يسهم في زيادة جديدة لأسعار السلع والخدمات في ظل غياب الرقابة الفاعلة للإدارة الحكومية على أسعار السلع والخدمات؛ مما يؤدي إلى تراجع معدلات السياحة وزيادة جديدة في معدل التضخم تتصدى لها الحكومة بزيادة جديدة للأجور بما يزيد عجز الموازنة العامة.
ومن ثم تدور الإدارة الحكومية الاقتصادية لهذه الدول في حلقة مفرغة مفزعة لا تخفض من عجز الموازنة العامة ولا تخفف من عبء المعيشة على المواطن، بل إنها حلقة تزيد من عجز الموازنة العامة وتزيد من عبء المعيشة على المواطن وتؤدي إلى تراجع مستويات المعيشة وتراجع معدلات التسوق والسياحة؛ بما يؤدي إلى زيادة جديدة في عجز الموازنة العامة لهذه الدول.
ولا بد للخروج من هذه الحلقة المفرغة من تبني سياسات عامة اقتصادية جديدة تعمل على كبح جماح التضخم ووقف ارتفاع الاسعار، بل والعمل على تراجعها؛ وذلك من خلال عدة إجراءات اقتصادية تعمل على وقف الاحتكارات وحماية المنافسة وحماية المستهلك؛ بحيث تنتعش الأسواق ويزيد الإنتاج وتنخفض الأسعار، ويتراجع العبء على الحكومات في دعم السلع وفي العمل على زيادة الأجور، وهو ما يؤدي إلى تحقيق الغاية المشودة في انخفاض عجز الموازنة وانخفاض الأسعار.
التدقيق اللغوي: أنس جودة وخيرية الألمعي.
الصفحة 53 من 433