تستطيع التفجيرات النووية فوق الغابات والأراضي المغطاة بالحشائش أن تؤجج نيرانا حامية وواسعة النطاق. لكن يصعب تقدير نتائج مثل هذه الحرائق لأسباب منها: الرطوبة، ومحتوى وكمية الوقود النووي، وأخيرا سرعة الريح الناتجة عن الانفجار النووي. ورغم أن الحرائق الهائلة المتسببة عن تفجيرات نووية يمكن أن تكون محصورة في منطقة التفجير المباشرة المعرضة آنيا للبرق الحراري الخاطف والشديد الحرارة، لكن حرائق أكبر وأكثر خطرا قد تنجم عن تفجيرات متعددة ومتبادلة ليست محصورة في مناطق معينة، بل تتساقط فوق أهداف مبعثرة منتشرة هنا وهناك عسكرية الطابع، ولاسيما مخابيء (سايلبوات) الصواريخ النووية بعيدة المدى.
مقدمة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم.
يشكّل هذا البحث الموسوم: "(فتوح الغيب) من المعنى الروحي إلى أزمة الإنسان المعاصر"، المساهمة الثانية في مجال التأسيس لعلم الروح الإسلامي، بعد أن صدر البحث الأول قبل ما يقرب من سنتين بعنوان: " نحو علم إسلامي روحي: مساهمة في نقد الأزمة المادية للحداثة والإنسان المعاصر" [1]، ليكون بمثابة إعلان عن تأسيس علم الروح الإسلامي في صياغة معاصرة، في ظل المبادئ التي اشتمل عليها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وليعمل على إحداث توازن بين شهوات الجسد ومتطلبات الروح الضرورية، مستظلا بقول الله تعالى في كتابه الكريم: { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ ﴿٢٨﴾ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } [ ص: 71 - 72 ].
ويساعد ( علم الروح الإسلامي ) على إيجاد حلول جذرية للمشاكل العميقة، الناتجة عن الفلسفة المادية الأحادية، والتناقضات الكامنة في نظام الحداثة، وما يترتب عليه. يدور البحث حول المفاهيم الأساسية، التي اشتمل عليها كتاب: " فتوح الغيب" للشيخ عبد القادر الجيلاني، ويعمل على مد الجسور بين الكتاب المذكور، وبين مفاهيم العصر ومشكلاته الراهنة، وأزماته المعقدة، وصولا، من خلال المقارنة، إلى إيجاد حلول للمشكلات الإنسانيّة والاجتماعية والثقافية الراهنة.
ومن الله سبحانه وتعالى العون والتوفيق.
تنطوي استعمالات مفهوم المجتمع المدني على كم هائل من الاختلاطات والالتباسات، حيث كل مقاربة ترتدي هنا لبوس الأيديولوجيا، إنما تندرج في حكم المقاربات التي تتماهى مع عموم الخطاب النفعي.
إن التتبع التاريخي والرصد المنهجي والإبستيمولوجي لمفهوم المجتمع المدني، إنما هو محاولة معرفية للتصدي لهذا الائتلاف وتفكيك لتلك الاختلاطات التي أحاطت وواكبت تاريخ وتجربة المفهوم نظريا وسوسيولوجيا.
وقد عرف مفهوم المجتمع المدني ذيوعا وانتشارا كبيرين في الخطاب العربي المعاصر، وأصبح من المفاهيم الشائعة والمألوفة ومن ثم المقبولة – رغم ما أثاره، ولا يزال من اختلاطات واختلافات بشأنه- في كتابات الصحافة العربية وفي أحاديث وسائل الإعلام الأخرى، كما نجده فيما تعلنه النقابات والجمعيات المهنية من مطالب وبلاغات، وفيما تصدره جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان بمختلف توجهاتها من نداءات، كما يتردد المفهوم نفسه في خطب وأحاديث الأحزاب السياسية والعديد من الجمعيات الثقافية والاجتماعية، وفيما تورده مراكز البحث من تقارير ودراسات، هذا بالإضافة إلى عدم خلو خطابات وكتابات المثقف العربي منه، بل إن المثير في الأمر أن الخطاب الرسمي والحكومي العربي يحمل في الكثير من الأحيان هذا المفهوم .
هذا الرواج الهائل لمفهوم "المجتمع المدني" أسهم في زيادة تعقيداته واضطراباته بشكل أضفى عليه عدم الاستقرار والتحديد الواضح، مما جعل فكرة المجتمع المدني تتهيأ للتوظيف الخاطئ والاستخدام السيئ، حتى إن استخدامه في بعض الصراع السياسي يتخذ مضمونه بحسب الجهة التي تستخدمه ووفقا للأغراض التي تسعى لتحقيقها، كما كانت للخلفيات الفكرية وطبيعة الواقع السياسي والاجتماعي للمهتمين بفكرة المجتمع المدني دورا أساسيا في الوصول بالمفهوم إلى نوع من الاستقرار والوضوح، فقدّم المفهوم تارة بوصفه مقابلا للدولة والمجتمع السياسي، وتارة أخرى بوصفه مقابلا للدين.
كما قدم كمقابل للنظم العسكرية والبنى الاجتماعية التقليدية، وقدم أخيرا بوصغه مفهوما حديثا لا صلة له بالمجتمع العربي الإسلامي كذريعة لرفضه وعدم القبول به وهو ما جعل المفهوم حمّال أوجهٍ عديدة زادت من الغموض عند التعامل معه، فلم تهتم الكثير من الكتابات العربية في تناولها للمفهوم بإزالة هذا الغموض والإبهام الذي أحاط به أو محاولة إيجاد المدخل المناسب لتحديده تحديدا دقيقا من الناحية التاريخية والوظيفية والمجتمعية حتى يتم الكشف عن جوهره وأدواره وأبعاده.
تظل "المجالات الحاضنة" لتجليات المجتمع المدني ولحيويته مرتبطة بالاستراتيجية التقليدية التي تغلب الطبيعة الهوليستيكية (HOLISTE) والماكرو اجتماعية على حمولاتها الاعتراضية: سياسية، نقابية، مهنية. ووفق منظور هذه الاستراتيجيات، نجد أن أهم ما يميز التكوينات التقليدية، هو سيطرة علاقات القرابة، والمحلة، والمذهب، والطائفة، والعشيرة. وهي علاقات ذات طبيعة عضوية تراتبية هرمية، تركز بشكل عام على روابط الدم والانتماء إلى أحضان هذه الروابط. بحيث إن التكوينات الاجتماعية البدوية تظل، كما يرى خلدون حسن النقيب، أكثر تمركزًا حول القبيلة أو العشيرة كأساس للتنظيم، ومن ثم للولاء السياسي. وإذا كان هذا هو منطلق التحديد فيما يتعلق بالبنية التقليدية، فإن التساؤل حول كون مؤسسات هذه البنية برمتها تندرج ضمن المؤسسات التقليدية للمجتمع المدني، ومنها القبيلة، يبقى مطروحًا وبحدة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، نجد أن مؤسسات المجتمع المدني، تقليدية أو حديثة، برزت إلى الوجود استجابة لحاجات الأفراد في التنظيم والتعاون لخلق منافع محددة في مجالات معينة، وتعكس من ناحية أخرى تطور حاجات الأفراد وعجز الأشكال الاجتماعية القائمة على تلبيتها بالشكل المطلوب. وهنا تنبثق الأواصر الوطيدة بين تنظيمات المجتمع المدني والفرد كمكوِّن من مكونات المجتمعات الحاضنة له، مع التقيد بشروط ومعايير الاستجابة لتطلعاته، وطموحاته، ورغباته، واحتياجاته التي يجب على هذه التنظيمات أن تحرص أشد الحرص على تلبيتها والاستجابة لها.
الملخص
تمثل المؤسسات التربوية عامةً قطب الرحى في عملية بناء وعي الإنسان وتشكله. ومن بين هذه المؤسسات، تأخذ المؤسسات الجامعية دورًا يتميز بالأهمية والخصوصية، وذلك لأن الجامعات في مستوى أدائها وتطورها كانت وما زالت تشكل قاطرات التاريخ نحو العلم والديمقراطية. ففي أحضان الجامعات نمت الحركات الديمقراطية، وتفتق العقل البشري عن طاقاته الإبداعية في مختلف الميادين والاتجاهات، وهذا هو المنطلق الذي جعل عددًا كبيرًا من الباحثين والمفكرين يعتقدون أن مستوى تطور مجتمع ما مرهون إلى حد كبير بمستوى تطور جامعاته.
ومن خلال هذا المقال، نستعرض وجهات النظر المختلفة حول دور الجامعة في تشكيل الوعي السياسي للطلاب، وأهمية دور الجامعة في ذلك الميدان، وما يمكن أن تقوم به الجامعات العربية في ذلك المجال خصوصًا في أعقاب ثورات الربيع العربي، وما شهده الكثير من البلاد العربية من مظاهرات، وصراعات، وحروب تتزايد فيها أهمية تنمية الوعي السياسي والديمقراطي بين جموع الشباب، باعتبار أنهم القوى الدافعة لحركة المجتمعات العربية وتقدمها.
اقتضتْ حكمة الله أن تتفاضل الأزمنة والأمكنة والعبادات، كما قضتْ عدالة السماء بأن يتفاضل أهلُ الخير والصّلاح في آجل أُخراهم ومقرّ عُقباهم؛ فكانت الجائزة مائة درجة في جنان ربّي، يتراءى فيها أهل المراتب العُلى لذوي الدرجات الدُّنى كالنّجوم الزاهرات في السماء الصافيات، بينما كان أهل الفردوس هم درّة التاج ونبع الفرات حين تبوّؤا أوسطَها وتسنّموا قمّتَها... "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون".
لم يكن هذا التفاضل والتمايز إلا تطبيقا عمليّا لنواميس الحياة التي لا تتخلّف، وقوانينها التي لا تُثلَم، وقسطاسها الذي لا يَحيف...
إذ كيف يَستوي مَن يَسكب الحبر على الورق والحروف على الشاشات، مع مَن يسكب دماءه زكيّة نقيّة على سطور الوغى وساحات الردى!
وكيف يَستوي مَن يُصلِّي بنصف عقل وربع قلب، مع مَن انتصب في صلاته فغاب عن الوجود وكان مِن أهل الشهود الذين تقرَّحتْ أكبادهم واحترقتْ وجْناتُهم!
وكيف يَستوي مَن تصدّق بفضل ماله وفراغ أوقاته وفَضْلة طعامه، مع مَن بذل أثمن ماله وصُلب أوقاته وأفضل إدامه!
وكيف يَستوي مَن جازى بالإحسان إحسانا وبالخير خيرا وولَج باب الهداية فذّا، مع مَن سما وارتقى فأحسَن إلى من أساء ودفع الشرّ بالخير وطاف بطبق الهداية على مَن عرَف ومَن لم يعرف!
وكيف يَستوي مَن صلّى فرضَه وصام رمضانَه وحجّ حجة الإسلام لاغيْر، مع مَن زاد فتنفّل وتطوّع واعتمر!
وكيف يَستوي مَن قاد الرّكْب وحمل الراية وتلقَّى سهامَ الردى بصدر عار، مع مَن انتظم جنديّا يَفعل مايُؤمَر به ويُنفِّذ ما يُملَى عليه!
وكيف يَستوي مَن أَلجم نفسه بالعزائم وساقها إلى قمم المعالي فما طافتْ به شبهة ولا حاق به شكّ، مع مَن مَال للرّخص وغصّ بحرُه بالمدّ والجزر فاشتدّ تارة ولان تارات!
مضمار الدنيا مطيّته الأقدام وزاده صحة الأبدان وروّاده مِن الكثرة التي تستعصي على العدّ والحدّ، بينما مضمار الحقّ لا يقوى عليه إلا القلوب ولا يُغنيه مِن زاد إلا إيمانٌ وتُقى ولا يلِجه إلّا النّفر مِن الرجال... ذاك المضمار الذي سبَق فيه الصّدّيق فوثَّق الفاروق ذلك حين قال: "لا أسبِقه إلى شيء أبدا"، وذلك المضمار الذي تفوّق فيه الفاروق فشهد له أبو الحسن حين قال: "لقد أتعبْتَ مَن بعْدك يا عمر"، وهو ذات المضمار الذي فتَرتْ فيه هممُنا وكلَّتْ فيه عزائمْنا؛ فارتضتْ السَّفح دون القمّة،والجُنديّة دون القيادة، والنّجاح دون التفوّق.
على مسار المضمار إشاراتٌ ولطائف تُذكِّر بأنّ بلوغ منصّة التتويج هو فضلٌ مِن الله ومنّة وإن كان التفاضل فيها بالعمل والسعي، وتُنبّه على أنّ ثلاثا مِن الهِدايات الأربع -التي فصّلها الراغب الأصفهاني في المفردات- هي في يمين الله ولا يملك البشر منها نقيرا ولا قطميرا؛ بدءا بهداية الفطرة ومرورا بهداية التوفيق وانتهاء بهداية الفائزين إلى نُزلهم في أعالي الجِنان.
رحِم الله ابن القيم حين خطّ لنا طريق الفوز في مضمار الحقّ فقال: "النّعيمُ لا يُدرك بالنعيم ومَن آثر الراحةَ فاتتْه الرّاحةُ" وبَرَّد الله ثرى ابن الجوزي حين أدلى بدلوه فقال: "لايُدرِك المَفاخِرَ مَن كان في الصّف الآخِر"... فهل مِن مُشمِّر.
"تَهُونُ علينا في المعالي نفوسُنا
ومَن يَطلبِ الحسناءَ لمْ يُغلِهِ المهرُ"
التدقيق اللغوي: خيرية الألمعي.
الصفحة 46 من 433