عندما تراه بلحيته أول مرة تحسبه على التيار المتشدد، وعندما تقرأه في حملته على هذا التيار أو بعضه.. تتحير، وإذا قرأت موافقاته لبعض أهل العلمانية حسبته عليهم، فإذا هو ليس منهم، وتأخذك الحيرة حين تراه يميل مع أهل الطريق والمكاشفة، وتخطيء أيضًا إذا حسبته عليهم أو منهم بالكلية.
إن الشاعر أشرف الجمَّال المصري الجنسية، الجيزي الإقامة والمولد نسبةً لمحافظة الجيزة، لا يمثل إلا نفسه وشخصه ومكنوناته؛ فنزعته إنسانية وجودية يمزج بين المدرسة الفلسفية والتصوف في شعره؛ فمن ملأ كأسه من دنان قصائده المترعة، يعلم مدى سيطرته على الصور البلاغية، وبراعته في تركيب جدلي ومجدول بين الأبيات والآيات في عناقٍ حميم لا افتعال فيه.
وعلى الرغم من درعميته؛ إذ تخرج من كلية دار العلوم جامعة القاهرة بعد أن نال درجة الليسانس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية والدراسات العليا بقسم الأدب، تحرر من الخليل وتفاعيله، وتدثر بقصيدتي النثر والشعر الحر، أما على المستوى الإنساني فهو من أنصار الدعوة إلى التسامح وعدم التعصب الديني، ولهذا كانت إنسانيته أسبق في التعرف عليه، فإذا عرفته ولجت إلى شعره لتستزيد من إنسانيته التي صاغت ما يقول، فكأنما صدر منه عن سجية وسليقة لا عن تكلف أو صنعة.
أولا: تعريف التصوف ومصادره
إن الأصل في التصوف كما يقول ابن خلدون هو العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى، والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها، والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه، حتى إذا فشا الإقبال على الدنيا منذ القرن الثاني للهجرة قيل للخواص الذين اشتدت عنايتهم بأمر الدين الزهاد والعباد. ولما ظهرت الفرق الإسلامية وزعم كل منها أن فيهم عبادا وزهادا انفرد أهل السنة المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة. وقوام التصوف سلوك يقوم على ضبط النفس وكبح جماحها ومجاهدة ميولها وصرفها بالإرادة عن متع الدنيا ومباهجها. وغايته تصفية النفس وتطهيرها من أدران الجسد، مع تأمل الخلوة، وتدبر في آيات الله حتى يفنى الصوفي عن نفسه ويبقى بالله.
وقد مرَّ التصوف بمراحل متعددة، فكثرة مفاهيمه وإن تضمنت جميعها أخلاقيات مستمدة من الإسلام، هي في الحقيقة قوام الشريعة الإسلامية. وقد أدرك الصوفية ذلك فأقاموا تصوفهم على تربية الإرادة لممارسة شاقة لأخلاقيات تقتضي مجاهدة النفس وترويضها على الاستخفاف بلذات الدنيا ومباهجها، والسيطرة على الأهواء والشهوات والميول الفطرية والعواطف المكتسبة، وأنشأوا علما مكملا لعلمي الفقه والكلام. فالفقه يبحث في الأحكام الفرعية العملية، والكلام يبحث في العقائد ويبرهن عليها بمنطق العقل، والعلوم الثلاثة مستمدة من القرآن والسنة. ولكلٍ من الفقهاء والمتكلمين والصوفية والفلاسفة منهج في فهم أمهات العقائد الإسلامية، ويختلف أفراد كل طائفة بعضهم عن بعض، ولكنهم مُتَّفقون في الانتهاء إلى الإسلام والانتماء إلى تعاليمه. وكان التصوف وحدة بين معترك المذاهب تسامحا صرفا وسلاما في كل ما مرَّ به من الأدوار، إلى أن مرَّ بدور انحطاط وانحراف فتصدى له كثيرون من الفقهاء وغيرهم، واشتدّوا في النقد حتى شملوا بالنكير كل ما وقع للمتصوفة في طريقهم. وأكثر ما تناوله الأخذ والرد بين الباحثين العلماء هو موضوع الكرامات للأولياء. وكان الصراع بين الفقهاء والصوفية قد بدأ مبكرا في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري. ودور الانحطاط هذا الذي انتهى إليه التصوف وبالأخص منذ القرن السابع الهجري؛ قد جعل من طريق الإخلاص والزهد والعرفان والخير أداة غش ومطامع وجهل وفساد.
وقد أثار موضوع مصادر التصوف الإسلامي خلافا كبيرا بين الباحثين القدماء والمحدثين. وللمستشرقين فيه جولات تكشف عن وجوه من هذه الخلافات. ولعل أرجح النظريات في هذا الصدد هي التي تجعل التصوف في أصله تعبيرا باطنيا عن الإسلام وحقيقة شريعته، ولكن هناك من المستشرقين من يرد التصوف إلى مصادر أجنبية دخيلة على الإسلام، فمنهم من يرده إلى أصل هندي، ومنهم من يرجعه إلى أصل فارسي، ومنهم من يراه مستمدا من أصل مسيحي أو مستقى من مصادر التراث اليوناني... إلخ.
الشاعر شارل بودلير مفجر الرمزية مدخل إلى المدرسة الرمزية: الرمزية مدرسة أدبية متكاملة، منبثقة عن مدارس أدبية أخرى سبقتها، وهي مدرسة قائمة على الروحانية والسرية، في حين كانت الكلاسيكية قائمة على العقلانية، والرومانسية على الانفعالية، والبرناسية على الحسية. إن الرمزية تعتبر حركة داخلية تخطت الحواجز المرسومة المقاسة بالمسطرة والبركار، والتي كرستها الكلاسيكية، وأعتقت الروح من قيود العقلانية، وراحت تحلق بها، ومن خلالها وفق مبادئ وأصول انتهجتها، وتعبر عنها بكلية وشمولية. والرمز هو "أفضل طريقة للإفضاء، بما لا يمكن التعبير عنه، وهو مَعين لا ينضب للإيحاء، بل التناقض كذلك"1. -------------- . ص 36 .الدهر المصرية، الرمز والرمزية في الشعر العربي المعاصر. أحمد فتوح -1 وأما الرمز الأدبي، فهو ليس إشارة إلى مواضعة أو اصطلاح... إنما أساسه علاقة اندماجية بين مستوى الأشياء الحسية الرامزة، ومستوى الحالات المعنوية المرموز إليها، وعلاقة التشابه هنا تنحصر في الأثر النفسي، لا في المحاكاة، ومن ثَم فهو يوحي، ولا يصرح، يغمض، ولا يوضح ".2 الرمزية إذن هي نوع من الإيحاء الذي يحرر من الثقل الترابي، فالواقع لا يعنيه إلا كمرجعية رمزية يستمد منها الصور. ونجد أن الناقد الرمزي الكبير( وليام يورك تندال ) W –y-tindel يعتبر الرمز "تركيبا لفظيا أساسه الإيحاء عن طريق المشابهة بما لا يمكن تحديده، بحيث تتخطى عناصره اللفظية كل حدود التقرير موحدة بين أمشاج الشعور والفكر".3 ------------- إبراهيم .رماتي . الغموض في الشعر العربي الحديث. ديوان المطبوعات الجامعية.الجزائر. ص 273 المرجع نفسه ص 273 - 3 فهو يحتكم إذن إلى مبدأ التجاوز والتخطي، فلا يكتفي بما هو ظاهري ومباشر، بل يتوغل في باطن الأشياء، فيخرب نظامها، ويخرجها في فوضاها الجميلة السديمية الأولى، التي تترجرج داخلها ثنائية المطلق والنسبي، الثابت والمتحول...
حتى سنوات قليلـة؛ لـم تكن مصطلحات الجامعة الافتراضية (Virtual University)، وجامعة الإنترنت (Online University) وغيرها؛ شائعة في أوساط التعليم الجامعي والعالي، ولكنها ظاهرة حديثة تزامنت مع التنامي المتسارع في إمكانات تقنية المعلومات والاتصال، خصوصا تقنية الإنترنت وتطبيقاتها في أواسط وأواخر التسعينات في القرن الميلادي الماضي.
وتعرف الجامعة الافتراضية بأنها مؤسسة تُقدم خدمة تعليمية غير مباشرة تُلبِّي حاجات متعلمين ذوي رغبة في تعليم يُحاكي ما تقدمه الجامعات التقليدية، أولئك المتعلمون لم تُتَح لهم فُرصُ الالتحاق بها؛ نتيجة ظروفهم الحياتية. وتستند هذه الخدمة الافتراضية على التعلم الإلكتروني عن بُعد خلال بنية تكنولوجية متقدمة تُبَثُّ عبر الإنترنتOnline مُتخَطِّية حدود المكان والزمان، يحدث التفاعل والتحاور بين المتعلمين والمعلم وبين المتعلمين أنفسهم وقتما شاؤوا وحيثما كانوا.
وبدأت الجامعات الافتراضية في الظهور في جامعة نيويورك بشمال شرق إسبانيا بكلية افتراضية واحدة من كليات الجامعة، وكانت تجربة مشجعة جدا؛ مما حدا بالعديد من مؤسسات التعليم العالي إلى خوض التجربة نفسها. وفي أوائل عام 2000 صدر تقرير يوضح أن هناك أكثر من300 مؤسسة متخصصة مكرسة للتدريب عبر الاتصال المباشر في الولايات المتحدة وحدها (Online Training).
فن البيطرة: هو علمٌ يُبحث فيه عن أحوال الحيوانات الأهلية من حيث معالجة أمراضها وحفظ صحتها والاعتناء بشأنها. وقد كان هذا الفن محصوراً في طب الخيل، ثم عمَّ فصار مما يُعرف بالطب الحيواني فيشمل كل حيوان تسلط عليه الإنسان وله منه منفعة من الدواب وغيرها. وهذا العلم الذي هو فرع مهم جدًا من فروع الطب كان يتقدم بتقدم صناعة الطب لأن بنية الحيوانات كبنية الإنسان من حيث نموها وصحتها وتعرضها للعلل إلى غير ذلك، بالإضافة إلى أهمية الحيوان في إشغال الإنسان. ومما يدل على أهمية إتقان هذا الفن كوّن الحيوانات إذا ضُربت بوباء أضرت كثيرًا بالناس وبالبلاد معًا.
وقد ذُكر أن علم البيطرة "الحال فيه بالنسبة للحيوانات كالحال في الطب بالنسبة إلى الإنسان وعُنىّ بالخيل دون غيرها من الأنعام لمنفعتها للإنسان في الطلب والهرب ومحاربة الأعداء وجمال صورها وحسن أدواتها".
تعزي نظرية الإلهام والوحي ميلاد الإبداع الفني إلى مصدر علوي يلقي فنه وأفكاره وتوجيهاته إلى الفنان المبدع المختار من بين آلاف البشر بوساطة الوحي والإلهام في ظروف تتراوح بين التلقي أثناء النوم أو في برزخ بين اليقظة والنوم أو من خلال صرع الفنان وصعقه وإفقاده وعيه أو تخليصه من عقله وإصابته بالجنون، وذلك من أجل تحرير الإلهام من تدخل وتأثير العقل أو الوعي أو اللاشعور أو النفس أو المجتمع أو البيئة أو التاريخ. ..
وقد لاحت البوادر والطلائع الأولى لهذه النظرية عند شاعر اليونان "العظيم" هوميروس إذ استهل ملحمته الشهيرة "الإلياذة" باستجداء ما يسمّى بربّات الشعر أن تنعم عليه بالإلهام وتتعطّف عليه بمدّه بالعون المادي والمعنوي، كما أقر "هيراقليطس" مسألة الإلهام من خلال تشبيه نفسه بالعرّافات اللواتي يصدرن في كلامهن عن الوحي والإلهام، وفي الاتجاه نفسه يسير أفلاطون من خلال إرجاعه مصدر الفن والإبداع إلى الوحي المستمد من عالم مثالي مستعل عن الطبيعة، ومن ثمة يكون الفنّان انسانا ملهما يستوحي فنه وإبداعه من ربّات الشعر، فيغدو بذلك الفن ضربا من الوحي والمس والجنون الإلهي أو من قبيل الوجد الصوفي، وعليه فإنه لا يحمل رسالة هذا الإلهام إلا أفراد ذوو حس شفاف مرهف مشبوب بالعاطفة والتعلق بالملكوت العلوي.
وقد أكدت الأفلاطونية الجديدة بزعامة أفلوطين النظرية السالفة الذكر حين أعلنت بدورها أن الفنّان المبدع موجود بشري غير عادي اختصته الآلهة بهبة الإبداع الفني، وبالتالي أكدت هذه النظرية أن الفنّان وعمله الإبداعي إنما هو ثمرة ملكة سحرية تنتقي من الخاصة أحسنهم وأكملهم ولا تنحدر إلى مستنقع العامة من الناس لأن أرواحهم غير طاهرة ولا تصلح مكانا لتنزّل "الجوهر الإلهي".
الصفحة 42 من 433