من نعم الله على الإنسان المعاصر وسائل الاتصال الكثيفة التي يعوم فيها الإنسان، فلا يستطيع معرفة العمق لها ولا الطول ولا العرض، إنها متعددة التواصل: عبر الهاتف، وعبر الواتس اب ومجموعاته وأفراده، وعبر جوجل، وعبر الفيس بوك، وعبر تويتر، وعبر الصحف الإلكترونية ومداخلاتها. إنها ميدان للحوار والجدل والاختلاف وتارة الافتراق من بعد ما جاءهم العلم، وهي وسيلة للعلم والمعرفة والعمل والممارسة، ووسيلة لكشف المواهب، وعن طريقها تجمع المعلومات، وهي تضع الكتب أمامك، كأنها طائر الهدهد أمام سليمان بن داود، والكتب بين يديك حاضرة في لحظات نيرات مثمرات، إنها تواصل بين الأرحام في المشارق والمغارب، وهي طريق التعارف والتحابّ، وهي ملتقي الأفكار والمفكرين، وميدان للجدل والحوار الموصل للخير، وهي ناشرة الإبداع، ومعرّفة بالمبدعين. إنني أعترف بتقصيري، فأنا أعدّ من محاسنها ولا أستطيع أن أحصيها.
إنها مولّد الحضارة السريعة المتوثبة، إنها ميدان عقول الموهوبين المبدعين وطرائق نتائجها، وقد استخدمها شباب الغرب في صالح الفرد أولا، ثم تطور إلى صالح العالم بأسرة، إنها جامعة المعلومات للفرد والدول، إنها اخترقت الخصوصيات وسبرت أغوار الساسة والخبراء وصانعي القرار، إن الاستخدام الأمثل لها يرقى بالأمم والأفراد، ويطور الصناعة، ويبدع الإبداع، وينجز الإنجاز، ويولد المعرفة، ويجسد الصناعة الدقيقة، كتوجّه الطائرة في الفضاء، وتوجّه السفن في البحار، وتصور الكواكب والنجوم والأعلى والأسفل من السموات والأرضين.
ذبل شباب منى، منى التي كانت أشبه بزهرة تفتحت بين الأشواك.. فإن كانت الزهور تذبل عندما لا تلقى ما تحتاجه من عناية ومن انتعاش بالماء الذي هو عنصر الحياة؛ فإن المرء الذي لا يجد من يُشعره بإنسانيته، والذي يفتقد إلى من يمنحه الحنان الذي هو عنصر الحياة وغذاء الروح بالنسبة لبني البشر؛ يصبح أشبه بالزهور الذابلة...
لم تكن منى قد لقيت يوما ـ ومنذ طفولتها ـ ما يُغذّي روحها البريئة. كانت تشعر دوما بأنها عبء على عائلتها وبأنها الشخص الإضافي في تلك العائلة المؤلفة من عشرة أفراد، وبأن مجيئها إلى العالم ـ كان كما يُشعرها كل من حولها ـ كان شؤما على عائلتها.
كثيرا ما حاولت منى أن تفهم سبب ذلك النفور وعدم الاهتمام، لكنها لم تكن قد وجدت بين أفراد عائلتها من هو أو من هي على استعداد حتى للإجابة على تساؤلها؛ الذي ظلّ دوما ذلك السؤال المُبهم والأمر الغريب الذي رافق طفولتها المُبكرة، وإلى أن بلغت سنّ الرشد وإلى أن نضجت مداركها؛ حيث كان الأمر قد أصبح حينذاك جليا تماما أمامها.
كانت الابنة الأصغرَ سنا في عائلتها، كان ما تم إعلامها به هو أن والدها قد فارق الحياة وهو لا يزال في أوج الشباب، وبعد ولادتها بأشهر قليلة نتيجة لحادث سير أليم. كان قد ترك عبء تلك العائلة الكبيرة على عاتق والدتها التي لم تكن يوما قد تقبّلت قدرها، وأن وفاته قد جعلتها تُصبح عنيفة عصبية المزاج، وهو ما جعلها تقسو بشكل خاص على منى التي اعتبرها جميع أفراد عائلتها شؤما عليهم.
لعل من أهم مزايا التطور التَقاني في هذا العصر ذلك التطور السريع والمُتسارع في وسائل الاتصالات، ما أتاح سرعة انتقال المعلومات، كما أتاح إمكانية التخاطب السريع وإمكانية التواصل بين الأشخاص عبر المدن والدول والقارات؛ بواسطة الشبكات الإلكترونية للاتصالات. وأتاح بالتالي إمكانية التحاور سواء أبالكتابة أم بالحديث المباشر بواسطة "السكايب" أو "الفيس بوك" أو غيرها.
ولاشك في أنه قد أتاح أيضا لكل منا إمكانية التقارب والتواصل وفرص إقامة الصداقات؛ مع العديد من الأشخاص ممن لم تسبق لنا معرفتهم، ومن الذين قد يكون كل منهم في مدن أو في دول أو حتى في قارات أخرى بعيدا كل البعد عنا ...كما فتح لنا المجال للبقاء على اطلاع دائم ومستمر وسريع وحتى فوري؛ على كل ما يخصّ الأشخاص الذين نهتم بهم أو الأشخاص الذين تربطنا بهم علاقات عائلية أو علاقات الصداقة.
لكن لابد لنا من أن نُشير في هذا السياق إلى أنه ربما كان علينا أن نتوخى الحذر في إقامة مثل تلك الصداقات التي تتم عبر وسائل الاتصالات.. ولا يعني ذلك أن يكون علينا أن نُعْرض عن مثل ذلك التواصل المُحبب، فليس هناك أجمل وأنقى من علاقة الصداقة؛ وإنما أن نأخذ الوقت الكافي وألا نتسرّع في اختيارنا للأصدقاء عبر وسائل الاتصالات.
«أكاديمية الأدب»... نبراس يضيء العقول المتعطشة لنور المعرفة، وتحيي المواهب الكامنة في النفوس الخضراء، هي خطوة إيجابية فعالة لإنعاش الحراك الثقافي في الكويت، وتطوير ملكة الكتابة الإبداعية، تحت مظلة رابطة الادباء الكويتيين، وبدعم من وزارة الدولة لشؤون الشباب.
فمنذ انطلاق موكب النور في شهر ديسمبر الماضي إلى الآن، والنوافذ تنفتح على عالم الإبداع، في دورات متعددة، كالكتابة العربية والأخطاء الشائعة، مكونات النص السردي، فن كتابة قصص الأطفال، وهناك العديد من النوافذ التي سوف تشرق في الأكاديمية حتى نهاية شهر ابريل كدورة كتابة القصة والرواية، فنّيات قصيدة التفعيلة، علم العروض والقافية، التأريخ في الأعمال الأدبية، فن الكتابة المسرحية، رسالة النص الأدبي، أدب الحوار والإلقاء... فشروق الإبداع يشق ظلمة الجمود ويخلق صباحاً يتنفس بالتجديد.
نَقْعٌ كثير أثارته الروائية البريطانية "جيه كيه رولنغ" (مؤلفة سلسلة هاري بوتر الشهيرة) حينما ألفت رواية "Cuckoo's Call" أو "نداء الوقواق" باسم مستعار مذكّر؛ "روبرت غالبريث". صدرت الرواية، وبيع منها عدد متواضع جدا (3 آلاف نسخة تقريبا) قبل أن تًكتشف الحيلة، وتفضح صحيفة التايمز البريطانية السر. لاشتباه في هوية المؤلف الجديد على الساحة الأدبية جاء من وصف الملابس في الرواية والذي كان دقيقا بشكل لا يحسنه الرجال، كما أن الوكيل الأدبي الذي تتعامل مع رولنغ هو الوكيل نفسه الذي تعامل معه "غالبريث".
رولنغ تقول أنها فعلت ذلك كي تتحرر من التوقعات المسبقة، وتجرّب الكتابة في صنف أدبي جديد (رواية بوليسية)، فتتلقى تعليقات القراء دون تزييف نظرا لمكانتها الأدبية. إلا أنّ بعض الخبثاء لمّحوا أنّ الأمر كله مدبّر، وأن رولنغ فعلت هذا عمدا كي تثير زوبعة وتزيد شعبيتها، وأن كشف هوية مؤلف الرواية جاء بإيعاز منها!
لا يهمنا تمحيص نية رولنغ، بل يهمنا أن نعرف ماذا حدث بُعيد أن عرف الجمهور أنّ روبرت غالبريث هو في الحقيقة الروائية الشهيرة جيه كيه رولنغ. بالنظر إلى قوائم الكتب الأكثر مبيعا المنشورة في ملحق Saturday Review الصادر عن جريدة التايمز بتاريخ 3 أغسطس 2013، نجد أن رولنغ تصدّرت قائمة الأدب الخيالي Fiction"" ذات الغلاف العادي عن روايتها "The Casual Vacancy" التي كتبتها باسمها الحقيقي، كما أنها تتصدر قائمة كتب التخييل ذات الغلاف السميك بروايتها "نداء الوقواق" التي كتبتها بالاسم المستعار الذي كُشف سره! الرواية التي قبل أن يُعرف أنها مؤلفتها، لم يلتفت إليها أحد.
الأمر يصبح أكثر إيلاما حينما نعلم أن رولنغ -متخفية باسم "غالبيرث"- عانت بعض الشيء في نشر الرواية، فقد رفضتها بعض دور النشر! وبعض دور النشر هذه –حين افتضح الأمر- تجرأ على الاعتراف بذلك، والبعض الآخر آثر الصمت/السلامة. وهذا يشي بأن المعايير في صناعة النشر -حتى في الغرب- ليست عادلة دوما، وأن النجومية والشهرة هي الطريق السريعة للنشر وليست الموهبة.
الطريف أن الترجمة العربية للرواية التي صدرت مؤخرا عن دار نوفل ترجمت عنوان الرواية على أنّه "نداء الكوكو"، رغم أن طائر الكوكو يسمى بالعربية الوقواق. السبب في ذلك على ما يبدو هو وجود رواية عربية بهذا الاسم، في التسعينيات من القرن الماضي ألف الروائي إبراهيم الكوني رباعيّة بعنوان الخسوف، كان العنوان الفرعي للجزء الرابع منها: "نداء الوقواق"!
مقدمة:
إن الجامعة مكان لمجتمع بشريٌّ حر لا يُعدُّ للحياة، بل هو الحياة نفسها، فالجامعة مجتمع تربوي متكامل، يعكس كل صفات المجتمع التربوية، وتتعاون؛ لتكوِّن حياة البشر، وهي ليست عددًا من الطلاب والأساتذة والمعامل يجمع بينهم المكان فقط، بل تفاعل الأفكار والآراء بين هؤلاء؛ لتهَبَ التعليم الجامعى النشاط والحركة والعطاء والاندماج، وتمنح الجامعة هيكلًا للمعرفة، ومملكة للعقل، ووعاءً للفكر الحر، وطريقًا قويمًا مفتوحًا إلى الحرية والإبداع.
إن الطلاب عندما يأتون إلى الجامعة؛ يأتونها ورؤوسهم مملوءة بالأحلام عن حرية الفكر وحق الإنسان في المعرفة، ومسئولية الجامعة هي أن تكون عند حسن ظنهم، فتعدَّ لهم أسباب النضج ، وتعجل بخطاهم إلى الوعي العلمي، وتعزيز وعيهم لذواتهم، وتدعيم هذا الوعي باحترام أفكارهم، بل حتى عندما تبدو هذه الأفكار قاصرة في معيار الأستاذ، وهي لا ريب قاصرة عن ذلك في أول الطريق، وإلا لما كانوا طلابًا يتتلمذون على أيدي أساتذتهم، وإجمالًا فإن الشباب يدخلون الجامعة ويعتبرونها ركنًا من أركان إدراكهم للعالم؛ لأن الوصول إلى الجامعة يعني في بعض ما يعنيه إجازة إلى وعي الذات، والشعور بالأمن والاستقلال والحرية الأكاديمية".
الصفحة 44 من 433