حال الجزائر لا يشذ عن "حالة" العالم الاسلامي المنكوبة والبائسة ..لكن فتنة الجزائرالتي أشعل أوارها الانقلابيون منذ أكثر من عقد لا يمكن أن تضاهيها فتنة أخرى،لأن الفتنة -كما تؤكد ذلك الوقائع والشواهد-" أشد من القتل"..،والجزائرما زالت الى حد هذه الساعة تدفع الأثمان الباهضة من جراء تداعيات هذه الفتنة ..فضائح بالجملة وفضائع بالجملة، وفوضى عارمة ، وصراع رهيب بين الزمر، وجرائم ،ودماء، وانتحارات ، وفقر، وأمور مفزعة لا تصدق..وتوغل في مزيد من المجهول..ولا حول ولا قوة إلا بالله..
يحكى ان احدهم استوقفه مشهد طابور طويل مصطف امام جمعية تعاونية في احدى الدول الاشتراكية، فدفعه الفضول الى التساؤل عن سر ذ لك الازدحام الرهيب، فسأل الواقف الاول في الطابور: فيم وقوفك هنا؟ فأجابه انه نفسه لا يدري ما سبب وقوفه هنا! كل ما في الامر ان رباط حذائه انحل اثناء سيره فاضطر الى ان يسند قدمه الى عتبة المبنى المقابل الذي تصادف كونه مبنى الجمعية، فلما فرغ من عقد رباط حذائه المتآكل فوجئ بجمهرة من الناس تحتشد خلفه، فقال له السائل: ان كان الامر كذلك فلم لا تنصرف الى شأنك؟ فأجابه على الفور وبلا تلكؤ: اتريدني ان افرط بمكاني من الطابور وانا الاول في الترتيب؟!.
منذ أحداث أكتوبر 88 وما تلاها من إقرارالتعددية السياسية، بات المشهد الجزائري الطافح بزخم الأحداث يستقطب تلفزيونات العالم ومختلف أضواءالكاميرات، لما فيه من إثارة جذابة تعددت فيها الألوان والحركات والأصوات، وصارمحل إهتمام الدوائرالاستراتيجية ومراكز التحليل المختلفة بشكل غير مسبوق ...
لقد تعرضت الشرعية التي بدأت أزمتها لحظة الإستقلال واستمرت ..وتهيأ الشعب لفك عقدتها عشية أول إنتخاب بعد إقرار دستور فبراير 1989 ، تعرضت إلى عملية ذبح وإغتيال في ضوءالنهار عشية ذات يوم من شهر جانفي1992 ، وفجرت هذه العملية أخطر أزمة مأساوية أصابت الشعب الجزائري عبر تاريخه الطويل..
في 14 آب – أغسطس سنة 1941 أصدر الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل تصريح الأطلنطي الذي بموجبه تأسسّت جمعية الأمم المتحدة والتي قامت على أساس حفظ السلام والأمن في العالم على قاعدة التعاون الدولي لإحقاق هذه المهمّة , و كان الرئيس الأمريكي روزفلت هو أولّ رئيس إستخدم عبارة جمعية الأمم المتحدة , كما أنّ أمريكا كانت أول من وقعّ على قرار إنشاء جمعية المتحدة ثمّ تلتها بريطانيا والإتحاد السوفياتي السابق والصين وأستراليا وبلجيكا وفرنسا وغيرها من الدول .
صريح صحفي لوزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد دافع عن ضرورة استمرار الولايات المتحدة في تحمل قدر أكبر من الخسائر البشرية لتحقيق الأهداف السياسية من التدخل العسكري في العراق قائلا " تعرفون القصة القديمة في شيكاغو : إذا تصرفت كممسحة للأرجل فان الناس سيمسحون أرجلهم بك " ، وطبعا يقصد من هذه الإشارة دولة مسالمة إلى حد مذهل تسمى الولايات المتحدة الأمريكية ؟ !! . وبعيدا عما في التعبير من مغالطة فإنه يعكس تغيرا نوعيا في الطريقة التي تستخدم بها الولايات المتحدة القوة العسكرية ومدى قدرتها على تجاوز ما يسمى " عقدة فيتنام " .
على مدار كل سنوات الإنسداد يرتفع منسوب الأزمة أكثر عشية الدخول الإجتماعي إلى درجة حصول اهتزازات وتوترات خطيرة، إن على المستوى الإجتماعي أو السياسي أو الأمنى. . ولا يحدث التنفيس عن الاحتقان الحاصل عادة إلا بمواجهات وصدامات . تتم عبر أشكال وصور مختلفة.
في عقدي الخمسينات والستينات اخذت الشعوب العربية توثق عرى اتصالها بحضارات وثقافات الأمم المختلفة وتسارعت عجلة السفر والارتحال الى ديار الغرب، وكان من ذلك ان راجت كتيبات تعليم المصطافين والمسافرين القواعد الاساسية للغات الاوروبية من قبيل (تعلم الانكليزية في خمسة ايام بلا معلّم) وما زالت تلك المطبوعات تحظى بالذيوع والانتشار حتى يومنا هذا, لكن لم يكن من المتصور حقا ان تصبح النظريات السياسية ذات الجذور الفلسفية العميقة الممتدة في الفكر الانساني لقرون وقرون قابلة للاستيعاب والهضم في دقائق معدودة، غير ان هذا ما حدث ويحدث بالفعل هذه الايام بالنسبة لأنصار المذهب الليبرالي في الكويت!