شبح المدينة صامتٌ
يرخي على الدنيا السِّتار
والليل أطبق جفنه
فغفا به تعب النَّهار
وبدأت أعزف لحن أحزاني
وأشتمُ العذاب يفوح من بين الدِّيارْ
من أين أبدأ لست أدري
ذلك القلق المخيّم فوق صدري كالجدار
وتصارعٌ في داخلي يجري
وأحسبه حوار
والعالم المجنون يركض نحو هاوية الحياة
مخلِّفاً كلَّ الدَّمار
من أين أبدأ سوف أركب موجتي قسراً
وليس لي الخيار
عفن المصالح يجمع الأضداد من كلِّ المشارب
حول مائدة القرار
والكلُّ يزعم أنّه رمز السِّيادة
من براثنه سيأتي الانتصار ..
من أين أبدأ كلُّ مرآة مقعرةٌ ...
ويكسوها الغبار...
(2)
كالتائه الملهوف في الصّحراء أبحث عن منازل
وأرى القوافل غير أنَّ التيه أصبح
من سياسات القوافل
شعلةٌ في القلب تخبو
وأنا عنها أناضل
حجبوا عنها الرِّياح بألف مخذولٍ وخاذل
أنا عشرون ربيعاً ملؤها روحٌ وحبٌ
خدَّروها في المفاصل
ضيّعوا عقلي بغاباتٍ من الأوهام قالوا
إنّها بعض المسائل
لم أكن يوماً لأعرف أنَّ بعض الفكر قاتل
يفسد المنتوج فينا بين جدران المعامل
وطني أنفاق حزنٍ
من مخارجها المداخل
وطني دمع اليتامى
وطني ضعف الأرامل
وطني وطن يغنَّى ذئبه لحن البلابل
كلُّ شيءٍ فيه سهلٌ سائغٌ
مادمت تعمل دون طائل
كن كصوفيٍّ فقيرٍ
إن أردت الدِّين نهجاً
أو كعربيدٍ دنيءٍ
إن أردت العيش نهجاً
هذه خير المنازل
لا تكن يوماً مقاتل
لا تفكّر كلُّ تفكير بغير شريعة التُّجار باطل
أنت مشروعٌ صغير
في مزادات المحافل
أيُّ عيبٍ فيك يعني
أنَّ سوق المال نازل
ذاك يعني ألف عيبٍ مثل عيبك
أنَّ سوق المال زائل
ليت شعري، ليتنا يوماً نحاول
(3)
أين نمضي في الحياة ودوننا هذي السُّدود
أو إذا شئت الحدود
مثلما جئت فغادر مثلما كنت تعود
أيُّ شيءٍ زائدٍ تأتي به حتّى ولو من دون قصدٍ
سوف يعرفه الجنود
أيُّ طيفٍ حالمٍ في عينك السَّوداء فارحل
وأنسها أرض الجدودْ
أنت لست اليوم إلاّ
خائناً نكث العهود
وكما شئت فغنّى
دون خوفٍ أو قيودْ
سوف تنفذ دمعة الأشواق فيك
ولن تعود
وترى أنَّ الحياة بغير أوطانٍ ضياعٌ
في متاهات الجمود
كمُّ أفكارٍ سيغزو
فكرة الفجر القديم
وليل أحزانٍ يسودْ
سيواسيك رفاق الدَّرب أحياناً ولكن
لقمة العيش ستلقى ظلَّها القاسي
وتقتلع الجهودْ
رعدةٌ في القلب تسري كي تقاوم
ثمَّ يتبعها الرُّكود
هكذا من يترك الرشَّاش مُختاراً
يطول به القعودْ
(4)
هكذا يمضي الزَّمان وتنتهي كلُّ الحكايا
هكذا يبقى العويل مُجلجلاً فوق الرعايا
هكذا تنسى الشُّعوب حضارة العرق القديم
وترتضي عرق البغايا
ويموت العاشقون على ضفاف الأمنيات
ويُنسج العلم الملوَّن من أحاسيس الضحايا
ثمَّ تمتدُّ الأيادي
نحو دين الله تبغي أن يكون لها مطايا
كلُّ شيءٍ صار نهباً
كان ديناً، كان إحساساً حنوناً
كان عشقاً سرمدياً
كلَّها صارت خطايا
كيف لا أبكي وقلبي
كسروا فيه المرايا
منذ أن كنّا صغاراً علَّمونا
كيف نزرع زهرة الأحلام خجلى
ثمَّ نحصدها منايا
كيف نسقي أرضنا دمعاً ودماً
كي نقدّمها هدايا
كلُّ شيءٍ قد تشابه
لا حدود ولا زوايا
ندخل الباب سوياً
كي تفرّقنا النَّوايا
نحن في عصرٍ يبرّر بالوسيلة كلَّ غاية
(5)
لست أدري بعد ذلك
أيَّ شيءٍ يحتويني
يشعل العشق بقلبي
مثل زهرة ياسمينِ
أين منّي قلب أمٍّ
يرتمي فيه حنيني
وبكفيها تداعب
شِعري المغبَّر دوماً
من معاناة السنينِ
وتعلّمني القراءة والكتابة مرّة أخرى ولكن
لن أعود بلا يقين
سوف أخبرها بأنّي من ورائي ألف صيّادٍ
يمنّي نفسه أنه يقتنيني
إيه يا أمّي فشدّي
ثوب إيماني وديني
علّميني كيف أدخل عالم الظلام هذا
دون أن أحني جبيني
كيف أدخل عالم الأموال هذا
دون أن أُرخي يميني
علّميني كيف أدخل عالم الشَّهوات هذا
غافلاً بين الغصونِ
علّميني كلَّ ذلك
وادفعيني في فراشي
واقرأي من فوقِ رأسي
آية الكرسيّ سِراً
وامضِ يا أمّي ولكن
قبل ذلك قبّليني