سؤال: حين نقدم غيرنا لغيرنا، ننصب لا شعوريا مرآة بضمير المخاطب أو الغائب نقدم من خلاله أنفسنا. ما رأيك في تكسير هذه المرآة بضمائرها ( المخاطب منها والغائب) والحديث مباشرة عن مشوارك الشخصي والأدبي؟

جواب: كانت مرحلة السبعينات بتوهجها الايديولوجي والسياسي والثقافي بوابتي لدخول عالم المسرح المليء ببلاغة الحياة، 

ولا زلت أذكر أول أدواري في مسرحية "حرمان" للمسرحي الراحل عبدالجبار اليمني..بعدما تحولت الخشبة لدي لكتاب مفتوح أخطط بطبشورتي آلام الذات وانكساراتها..وتوالت العروض والتجارب الى أن جاءت مرحلة التسعينات حيث قررت أن أقود مع مجموعة من الشباب هذا الحلم، فكانت تجربة مسرح ميماج <6 مسرحيات>، واليوم أكرر التجربة مع مسرح رؤى وهذه الأيام تم تقديم مسرحية "أحلام لوحة" ولأول مرة أطرت وأشرفت على العرض تاركا المجال لجيل شاب كي يحمل مشكل الركح الجميل..ومع ذلك سحرتني بلاغة المحكي والمنسي لذلك قررت كتابة "ملح دادا"/2003، والتي كنت أستجيب من خلالها لتلك الرغبة القوية في إفراغ دقات الذاكرة داخلي، تلك الذاكرة التي ظلت تسكنني طوال سنين..بعدها عاد الرائي لمتخيل المكان كي يستجمع شتات المشهد، وكي يخط تفاصيل هذا المنسي الدفين فأصدرت سنة 2006 روايتي "الخطايا"..أنا لست كاتبا لاعترافات ولا مهندسا أدبيا، ولا سقاء لهامش، ولا أرتق تناصات مركبة، أنا مسكون بصدى بلاغة الصمت الذي يحيط بي ولعله إحدى مجازات معرضي "أسفو ن أسيف" الفوتوغرافية، أو ما تجلى في لوحاتي التشكيلية وأذكر هنا تعليقاتي زوار معرضي بفرنسا حين توجوني كساحر قادم من الجنوب..
 

سؤال:  تجربتك مع النشر، كيف تقيمها؟
جواب: هذه التجربة لصيقة بكل الكتاب، وهي تجربة مريرة مليئة بالانتظارات، ولعلها إحدى أهم مفارقات هذا المشهد الثقافي المركب. وإذا كانت محكيات ملح دادا قد صدرت بدعم من إحدى الجهات مشكورة فإن روايتي الخطايا والكثير من عروضي المسرحية كانت وليدة لرحلة شاقة من التضحية والتفاني والصداقة مع الذات، بل تلك القوة التي تجعلني نتمسك بالحلم..التجربة مع النشر تجربة مريرة حقا وتؤكد أن الكاتب أو الفنان أو المبدع في مشهدنا الثقافي على الأقل بالمغرب هو مشاء ولا وجود لوضع اعتباري قادر على تبويئه مكانته الطبيعية..

سؤال:  من خلال تجربتك مع القراء، ما هي أقوى ملاحظة اخترقت مسامعك ووجدانك من قارئ من القراء؟ وما هي أطرف ملاحظة تلقيتها من جمهور قراء تكتب له؟
جواب: سؤال طريف، أذكر أن يوما كنت بالسوق أرغب في اقتناء السمك فبادرني أحد الباعة أنه استمع لإذاعة طنجة بالليل وأدرك أنه صدر لي محكيات دادا، لكنه نظرا لظروفه لم يستطع اقتناء الكتاب، ابتسمت، وعدت في اليوم الموالي فقدمت له نسخة من ملح دادا، أتدري أنه عانقها بقوة وبيديه المليئتين بقوت العيش، بعدها القتينا فوجدت من خلال حديثه عن الأمكنة دراية فائقة بالتفاصيل، طلب مني طلبا غريبا في نهاية حديثنا قال "أرجو منك أستاذ أن تكتب عن المنسيين.." هذه الكلمة لم أنس رنينها داخلي..بعد صدور روايتي الخطايا فاجئني باتصال هاتفي وطلب مقابلتي رفقة صديق له، عند لقائنا طلبا مني فيما يشبه المفارقة "أين يوجد البيت القديم <المذكور في تفاصيل الرواية؟؟>" هذا جزء من أطرف ما وقع لي مع القراء، لكنه يؤكد أن ثمة قارئا لبيبا يتصيدك نهاية الطريق بمحبته الرائعة..

سؤال:  من هو قارئك المفترض؟ كيف تتصوره؟ كيف تتوقع تفاعله مع إنتاجاتك؟
جواب: من الصعب الحديث عن وصفة طبية جاهزة لقارئ مفترض، إذ كيف يمكن الحديث عن قارئ بمواصفات محددة إذا كنا لا زلنا نناقش تصورنا للكاتب المفترض أن يكون، ولكتاباتنا التي يجب أن تجيب على سؤالها الآني..لكن، أفترض أن قارئي موجود داخل نصوصي، داخل لوحاتي وفي صوري، هو معي يرافقني على الخشبة يحلم معي بعالم بدون أوباش..

سؤال: تختلي بنفسك، تسهر، تكتب، تنشر وتواكب ردود الأفعال القارئة وغير القارئة. لماذا كل هذا الإصرار على الكتابة في مجتمعات عربية ضعيفة الإقبال على القراءة ولا مبالية لكل الأشكال الثقافية المكتوبة؟

جواب: من طبعي أنني لست متشائما الى هذا الحد، وأعتبر أن ما يبدو داخل أزمة القراءة والمواكبة يتضمن هامشا عريضا من الأمل، لذلك أجدني ربما غير معني بسؤالكم الذي أتفهم موضوعية العلمية..لكن لو كنت معي، وشاهدت مشهد أطفال يمدون أيديهم وأفئدتهم ليحصلوا على قصصهم الملونة وعلى حكاياتهم الرائعة يمكنك حينها أن تفتح في قلبك -كما أنا- مزيدا من الأمل في المستقبل.

سؤال:  الكتابة الإبداعية في زمن القرية الكوكبية، زمن العولمة، كيف تراها؟
جواب: أعتبرها وسيلة للتعبير عن هوية قادرة على تقديم رؤاها بالمعرفة الحقة، يجب على الكتابة الإبداعية أن تتنفس تراب الأرض التي توجد عليها، فوجودنا في عالم مليء بالتناقضات، لا ينسينا أنني ملزم بالدفاع على هويتي من خلال كتابة تفاصيلها والتعبير عنها..

سؤال:  " مطرب الحي لا يطرب" شعار عامي لكنه يلقى صدى لدى النخبة أيضا. فالمبدع العربي والمبدعة العربية محصنان ضد القراءة للمبدع الجار والمبدع ابن البلد. فأغلب المبدعين العرب حين يتعلق والأمر بإبداء رأي حول الكتاب الذين يقرؤون لهم، يقفزون مباشرة للضفة الأخرى والأسماء الأخرى. لمن تقرأ حاليا؟

جواب: أعيد قراءة مجموعة القاص المغربي سعيد أحباط "صباح سوريالي"! والمقصود هنا التأكيد أن السمك لا يصطاد دائما من المياه الأجنبية، يوجد في مياهي ما لا يوجد في مياه أخرى، لكني ملزم أيضا بالغطس في مياه الضفة الأخرى، كي أتمكن من اختيار سمك ألذ في مياهي!!..

سؤال:  أيهما أهم في الإبداع الأدبي: الخلفية النظرية أم النص الإبداع؟ هل تمتلك مشروعا جماليا يكسب نصوصك خصوصية وتفردا؟

جواب: لا يمكنني تحديد الجواب بالإيجاب أو بالنفي، لا يمكنني مطلقا أن أقول أنني أمتلك مشروعا ثقافيا أو إبداعيا، هذا الأمر مرتبط بالثقافة العالمة وبآراء النقاد، ما يمكن أن أؤكد هنا هو ما يخص المرجعيات، فأنا حريص على ثقافتي المتعددة وأحدد هنا الأمازيغية الافريقية العربية، دون هذه الهوية المركبة لا يمكنني أن أحدد أي سياق آخر، ولا يمكنني أن أنكتب..

سؤال: الثقافة والسلطة، الإبداع والرقابة، والأفق اللامحدود والخطوط الحمراء... ما هو موقفك من هذه الثنائيات؟ وكيف تموقع كتاباتك بينها؟

جواب: لا حدود للكتابة، ولا حدود للإبداع، مع احترام خصوصياتنا ومعتقداتنا..

سؤال: كيف تقيم هذا اللقاء الحواري؟ 
جواب: ممتع، لأن صاحبه مبدع!
 

كاتب مغربي
محمد سعيد الريحاني كاتب مغربي، عضو اتحاد كتاب المغرب، وعضو هيئة تحرير «مجلة كتابات إفريقية» الأنغلوفونية. حاصل على شهادة الدكتوراه في الترجمة من مدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة/المغرب، 2021. وحاصل على شهادة الماجستير في الكتابة الإبداعية من كلية الفنون الجميلة بجامعة لانكستر بإنجلترا، 2017.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

nashiri logo clear

دار ناشري للنشر الإلكتروني.
عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

 

اشترك في القائمة البريدية