ذاك التناقض الجاذب هو أول ما يشدك في هذا الديوان. التناقض بين الحصان الجامح الذي يتصدّر غلاف الديوان، بكل ما يحمله من معاني الأقدام والحركة والاندفاع، وبين عنوان الديوان "الانتظار" بكل ما يحمله من سكون واسترخاء وترقب قلق. ولعل هذا التناقض يلخّص طبيعة الأدباء بشكل عام، والشعراء بشكل خاص، حيث تكون المزاجية، والتمازج بين النقائض، والقلق جزءا من طبيعتهم التي لولاها لما آتى الإبداع.

لطالما عرفنا الشاعر عبد الرحمن العوضي شاعرا غنائيا أو (إنشاديا إذا جاز التعبير)، فهو من كتب كلمات مقدمات أغاني بعض المسلسلات التاريخية كمسلسل "الحسن والحسين" ومسلسل "خالد بن الوليد" في جزئه الثاني، وبرنامج "العذراء والمسيح"، بالإضافة إلى أناشيد ذائعة الصيت مثل "تفاءلت" و"احموا رسول الله". وها هو العوضي أخيرا –وبعد انتظار- يصدر ديوانه الأول "الانتظار".

دُشن الديوان بقصيدة "الريحانة"، وهي أطول قصائد الديوان، وفيها مدح للنبي صلى الله عليه وسلم. وأحسب أن هذه القصيدة هي قلب الديوان وريحانة روحه، وإن كان الصواب قد جانب الشاعر حينما قال:

بمحمدٍ ستقوم دولة يعرب *** من بعد جور الفرس والرومانِ

ففي هذا البيت معنى عنصري جليّ يناقص إنسانية الإسلام، فهذا الدين لم يأت لتتسيّد العرب على غيرها من الأمم.

بعد "الريحانة" أتت 23 قصيدة كلها منظومة بطريقة الشعر العمودي. ويمكن لقارئ الديوان أن يلاحظ أن قصائد "الانتظار" مقسّمة إلى ثلاثة مواضيع/هموم أساسية:

1. القصائد الدينية، وهي تتراوح بين القصائد التقليدية مثل مناجاة الله تعالى ومدح الرسول صلى الله عليه وسلم، إلى قصائد أكثر قربا من الحدث مثل قصيدة "محجبة  في المهجر" التي جاء فيها:

ما أمركم فملابسي حرية *** مارستها في عالم متحررِ

فبأي إنسانية تلقونني *** وبأي قانون واي مبررِ

2. القصائد المتعلقة بالشعر والإلهام. فنجد الشاعر يقول في قصيدة "الانتظار":

يا أيها الإلهام هجرك مرهق *** فالشعر بات برقدة وسباتِ

أنت الذي بعد الإله أبثه *** حزني إذا ما تهتُ في أزماتي...

الشعر إدمان وجرعة مطلع *** تكفي لأن أحيا رهين دواتي

وفي هذه القصائد، نجد حالة استلهام الشعر تختلط ببعض المعاني الغزلية. ففي قصيدة "إفلاس" يقول:

غابتْ فغاب السحر عن كلماتي *** وتمنع الإلهام عن أبياتي

والشعر أوصد بابه عن خاطري *** فجلست مكسورا على العتباتِ

وحتى في القصيدة الغزلية الوحيدة المباشرة، نجد اختلاط الغزل بالعفاف، وأنعم به غزلا لا يبتذل ولا يجرح حياء. يقول الشاعر في قصيدة "السر":

سأكتم وجدي في فؤادي وأكتفي *** بصبر جميل للإله يقرّبُ

ثم يقول:

وأطلب من رب السماء سعادة *** عليها كغيث هامر تتصببُ

3. القصائد السياسية، وهي تشكل الجزء الأخير من الديوان وهنا أيضا ثلاثة هواجس رئيسة: الكويت، فلسطين، الربيع العربي.

يقول الشاعر في قصيدة "الألوان":

إني أحبك يا كويت وإنها *** في وجهك القمري تكمن ذاتي

وإليك يا قمري بذلت قصائدي *** فلأنت أجمل ما احتوته حياتي

وفي قصيدة "ثورة المختار" يقول:

فلتمسحي من مقلتيك دمعها المدرارْ

يا ليبيا قد آن أن تحطمي الأسوارْ

فلتنهضي إلى العلا وعانقي الأقمارْ

لا يكتب المجد سوى بأحرف من نارْ

بشكل عام، نجد أن الروح الغالبة على الديوان روح حماسية، والعاطفة الدينية واضحة في جُل قصائده. وشكرا للشاعر لأنه لم ينزلق إلى الغزل الحسي، بل كان نتناوله للغزل تناولا مرتبطا بإلهام الشعر وحالته الوجدانية باعتباره شاعرا.

لغة قصائد هذا الديوان تسهّل الاستمتاع بقراءته، حيث الانحياز الأكبر هو للفكرة ثم للحالة الوجدانية، وليس للصنعة اللغوية. فلا نجد تراكيب مستغلقة، وإن كان هناك بعض الكلمات التي قد تكون جديدة على القارئ العادي، حتّمتها الروح التاريخية لبعض القصائد.  

لمحبي الشعر التقليدي في شكله ولغته، والحماسيّ في روحه ومسلكه، هذا ديوان ستقضون معه وقتا طيبا. رويدكم، لا يغرنّكم عنوانه "الانتظار"، فهذا ديوان عابق بالانطلاق والتوثب.