لدى سيري بين أروقة الكتب وقع نظري على كتاب بعنوان قصتي مع السلياك فأستغربت الاسم وأشار علي عقلي وفضولي أن اتصفح الكتاب فيبدو أنه به شيئا جديدا.
وبالفعل بعد امساك الكتاب صدق حدثي فما هذا السلياك إلا نوع من انواع الحساسية وقد عانت المؤلفة منه لمدة عشر سنوات ولم تكن تعرف ماهيته وعانت من التشخيصات الغير صحيحة ولكنها بعون الله وفضله عرفت ماهيته واستطاعت أن تواجهه وأن تتعايش معه، فهذا الوحش ليس له علاج سوى اتباع حمية عذائية معينة ولكنها لم تكتف بذلك بل جندت نفسها لمساعدة الأخرين للتغلب عليه وقهره في مراحله الأولي .
والمؤلفة هي المستشارة سعاد الفريح كويتية الجنسية ،مستشارة نظم في الهيئة العامة للصناعة ...سيدة لا تبارح البسمة محياها دائما تجد وجهها هاشا باشا ، حينما تحادثها تشعر أنك تعرفها منذ زمن بعيد .
أتخيّل أنه ذات يوم، هناك من جاء وافترض أن ثمة تناقض بين أمرين، وصدّقه الناس. حتى هو صدّق نفسه، تماما كما فعل جحا حين كذب وأخبر الصبية - كي يتخلص من إزعاجهم- أن هناك وليمة في الحي المجاور، وإذا به ينتهي إلى مسابقتهم إلى تلك الوليمة الوهمية!
وهذه الوليمة الوهمية نراها كل يوم بأشكال أخرى؛ نرى رجالا -ونساء أيضا للأسف- افترضوا أن ثمة تناقض بين حياء المرأة وبين أن يكون لها دور في المجتمع. فخروجها من خبائها، يعني -حتما وقدرا- ضرورة خروجها أيضا عن حيائها، وإن هي أرادات أن تكون صاحبة دور مجتمعي، فإن هذا يجب أن يكون على حساب حيائها وعفتها والتزامها بشرع ربها. وما المحصلة من هذه "الوليمة الوهمية" التي صدّقها حتى مختلقوها؟ النتيجة أن المرأة في عالمنا العربي (وأنا هنا أتكلم بشكل عام، ولا أتكلم عن الاستثناءات) ولم تبرز وتتفوق إلا في "صناعة الترفيه" (تمثيل، غناء، رقص ... إلخ) وهي مهن تعتمد على المُقدّرات الجسدية لا على القدرات العقلية. وأنا هنا أتكلم عن التفوق والبروز في مجال معين، وليس مجرد الحضور الاعتيادي في المجال. وإذا كنتم ترون أني أبالغ، افتحوا أية صحيفة واحصروا أسماء الرجال والنساء الواردة في العدد، وقسموها على المجالات التي يبرز فيها الأشخاص وستعرفون أني لا أتجنّى. احصروا عدد النساء الموصومات بالفتنة، وأولئك الموصومات بالفطنة، واحكموا بأنفسكم.
حتى تكون كاتبا نحريرا، ومثقفا قديرا، يشار لك بالبنان، وتتربع على كرسي الزمان، ويكون لك الأيادي الطوال من خلال الفكر والأقوال، وتوقع للمعجبين والمعجبات من بنات الحلال، وتتوسم أعلى النياشين، وتمشي بين الفل والياسمين، ويقال عنك الكاتب المجدد، والمفكر الذي جاء على موعد، وحيد هذا الزمان، قد بز جميع الأقران، طويل الباع في الأدب، منحة الله للعرب، أرسطوطاليس هذا الزمان، وفيلسوف معرة النعمان، قد فاق المتنبي شعرا، والغزالي فكرا، والعقاد تحليلا، والمنفلوطي أسلوبا، وحتى يقال عنك باختصار بأنك نجم بل سوبر ستار، عليك بما سنرشدك إليه في هذا المضمار، مستخدمين مصطلحات خاصة من ابتكارنا، فالزمها ستجد الصحف أمامك قد فتحت، والمجلات بك احتفلت، والفضائيات لك هرولت، والجوائز تناديك إلي إلي، فاسمع واسلك شتى المسالك، ولا تلتفت لما سيقال عنك بعد ذلك:
أولا: المبضعية، نسبة إلى المبضع، وهو المشرط (المعجم الوسيط: بضع) أي عليك أن تكون جراحا ماهرا لعلل المجتمع وأدوائه، تستأصل كل أورامه السرطانية، ولا تأخذك بها رحمة، ولا بأس بإزالة شيء من حول الورم للاحتياط، وبهذا تكون كالطبيب الماهر، الذي لا يصد عنه إلا مجنون أو مكابر، ولا بأس أن تستأصل ما ليس بسرطان إذا ظننت أنه بعد مائة سنة قد يكون سرطانا، فالاحتياط واجب، ونقلة المجتمع إلى الحضارة من أصعب المهمات، وهي تحتاج إلى مزيد من التضحيات، ولو بالآباء والأمهات.
ما بال أقوام يستغلُّون صلاحياتِ المنصب للنفس والأهل والبطانة، ويستكملون الدراسات العليا بالغش والخداع والحيلة، وأهواؤهم وشهواتهم هي قوانينهم وضوابطهم، ويكتبون مقالات في الصحف لترسيخ مفاهيمَ تُغضب الله ورسوله، ويرون المنكر على أنه حرية شخصية؟!
ما بال أقوام يرون البدعة عبادة، والتخبُّط في الدين قياسًا أو اجتهادًا، ويحللون حُرمات الآخرين، ويغضبون لحرماتهم، ويخلطون الدين عمدًا بالمنطق الأعوج والفلسفة المضلّة، ويمكرون على الناس، ويتناسون أن الله خير الماكرين، ويعملون على تفريق هذه الأمة وتقسيمها إلى فرق ضعيفة ومتناحرة؟!
كان الإغريق يرون أن الرجل أجمل من المرأة، ولعل هذا جزء من منظومة كانت ترى المرأة كائنا أقل شأنا وأدنى مرتبة. وليس أدل على ذلك من أن النساء كن -أثناء عرض المسرحيات- يجلسن على أطراف المدرجات مع العبيد.
وضع المرأة آنذاك لا يهمني في هذه المقالة، إنما ما يهمني هو إصرارهم أن الرجل أجمل شكليا من المرأة، وهذا أمر غريب جدا إذ نعلم أن الجمال الشكلي مرتبط ارتباطا لا فكاك منه بالمرأة، فالمرأة زِينة ولو لم تتجمل. لكن الورطة الحقيقية، أني -ولتعذرني أخواتي الحوّائيات- بدأت أشعر أن الإغريق على وشك إثبات نظريتهم بالضربة الفنية القاضية! ولهذا، أدعوكن واحدة واحدة للتصدي في أسرع في فرصة لما يحدث قبل أن تُقلب علينا الطاولة ونخسر عرشنا التاريخي.
بعيدا عن العداء المستحكم بين الحوّائيات والديوانية وشعور الغيرة وربما الغبن في بعض الحالات، فإني أعلن دون مضض أني أغبط الرجال على الديوانيات، وآمل في يوم أن نجد كنساء صيغة ما ليكون لنا تجمع يسمو عن النميمة وأكل "اللحوم الطازجة"!
صحيح أن نسبة ما من الديوانيات هي مجرد مكان للهو الحديث وارتكاب جريمة قتل الوقت أو تضييع أمانته، لكن نسبة (أعقد الأمل والدعاء أن تكون النسبة الأكبر) هي مصانع، مصانع للرجال، ومصانع لتكوين الفكر، وصياغة الرأي السياسي والاجتماعي، وتكوين العلاقات، وتنمية المقدرة على النقاش، والتناصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن بين هذا كله، هي مراكز لـ"تشارك المعرفة الضمنية" Tacit Knowledge Sharing وهو مفهوم حديث نسبيا في مجال علوم المعلومات.
الصفحة 15 من 53