في البداية لابد لنا من أن نعرف بأن توجيه الرأي العام وبناء فكرة معينة عن شيء ما أو وصف شريحة معينة بصفةٍ ما ليست بالمهمة السهلة كما يظن البعض، وأن هذا يحتاج إلى الكثير من العمل والوقت والتكرار والتغيير ولكن على نفس النمط والأسلوب وإنما يكون التغيير في الإستراتيجيات التي يمكن تناول هذه الفكرة بها. والأهم من ذلك كله أن تستعين بأشخاص لا يملكون ضميرًا حيًّا في عرض تلك الأفكار.

وهنا نتذكر مقولة وزير إعلام هتلر المدعو جوزيف غوبلز: «أعطني إعلامًا بلا ضمير أُعطيك شعبًا بلا وعي»، وفي هذا إشارة إلى ما يمكن للإعلام فعله من توجيه الرأي العام وبناء صورة نمطية عن الأمور التي يتناولها بتكرار حتى يمكنه بعد ذلك من قلب الحقائق وتغيير الصورة الذهنية للشعوب.

نتحدث هنا عن نظرة المجتمع الغربي بشكل عام والمجتمع الأمريكي بشكل خاص للشخصية العربية بشكل خاص، والشخصية المسلمة بشكل عام. وهنا نعود بالزمن إلى الوراء حوالي قرن من الزمان حيث أنه وفي أواخر القرن التاسع عشر بدأت تلك الحملة الموجهة لتشويه صورة الرجل والمرأة والشيخ والطفل العربي وإظهارها بمظاهر مختلفة جميعها تحط من قدر هذه الشخصية فإنك إما تجدها شخصية قاتلة متوحشة متعطشة دائماً للدماء، أو شخصًا مغتصبًا متعصبًا ثريًّا لما يملكه من النفط، أو شخصًا لعوبًا (زير نساء)، أو مسيئًا إلى النساء، أو مستهترًا، أو أهبلَ، أو امرأة ترتدي بدلة رقص وتضع على وجهها نقاب، أو شيخًا كبيرًا في فيلم ما من تلك الأفلام التي تعرضها هوليوود بلحية سوداء وغترة وعقال ونظارة سوداء ينزل من سيارة فارهة (ليموزين) ومن خلفه العديد من النساء في صورة جواري أو أو...

تلك النظرة النمطية المتكررة دون اختلاف إلا في الوجوه، ولكنك لن تلحظ أي اختلاف في تلك الرسالة الموجهة إلى المشاهد. وقد وصل هذا الأمر إلى أفلام الرسوم المتحركة التي توجه بالأخص إلى شريحة الأطفال دون سن البلوغ، وجميعنا نعرف مدى وحجم الخوف والرعب من الرجل العربي حينما يتربى الأطفال وقد التصقت بأذهانهم تلك الصورة عنه بأنه مختطف وقاتل ومتوحش وثري ثراءً فاحشًا ولا يكترث بالآخرين.

وبالانتقال إلى الأعمال الفنية التي تُعرض على الشاشة الكبيرة نرى أن النظرة التي كونها الطفل الغربي في صغره عن الرجل العربي لن يجد فيها اختلاف حينما يشاهد أحد الأعمال الفنية للكبار التي يظهر فيها العرب بنفس الصورة النمطية التي سبق وأن رسمها الإعلام في ذهنه. فهو نفس الرجل الذي كان يراه في صغره وقد كوّن عنه نظرة معينة استطاع صناع السينما أن يزرعوها فيه بتكرارهم .

ويمكن للمتابع للمسح الذي أجراه جاك شاهين من خلال كتابه (العرب الأشرار) نرى أنه قدم لنا مسحًا نقديًّا موثّقًا ومحلِّلًا لأكثر من (900) فيلم هوليوودي يظهر فيه العرب في صورة مخالفة لما هو عليه أيُّ طفل أو رجل أو امرأة أو شيخ منهم. حيث يقول شاهين: إن هوليوود استخدمت منذ عشرات السنين أسلوب "التكرار بيعلم الحمار" فهي تعيد وتكرر في كل عمل فني يظهر فيه العرب نفس الصور النمطية الخاطئة والمشوهة عن العرب ولكم أن تتخيلوا أثر هذه الصورة على عقول وأفكار وأذواق الأميركيين بشكل خاص والعالم الغربي بشكل عام، وكيف هي رؤيتهم للعرب والمسلمين، وأن هذا الأسلوب أقدم بكثير من أحداث الحادي عشر من سبتمبر والذي اتخذ حجة للحرب ضد الإرهاب العربي المسلم، ويضيف شاهين قائلًا في إحدى مداخلاته: إن العنصرية الوحيدة المسموح بها في السينما والتلفزة الأميركية اليوم هي العنصرية المعادية للعرب والمسلمين.

فالشخص العربي في كل أفلام هوليوود هو القاتل المتوحش والمغتصب والمتعصب وثري النفط اللعوب والمستهتر والأهبل والمسيء إلى النساء الذي لا يراهُنَّ سوى شيء دونه في المستوى وجمّ دورها في حياته هو الاستمتاع بها واللهو، وهذه الصورة النمطية السيئة والمشوهة تتكرر وتتردد على الشاشات ومنذ عقود وعقود حيث أن العرب كلهم يشبهون بعضهم البعض وأنت لا تستطيع التفرقة بين واحد وأخر منهم في أفلام هوليوود.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل تذكر آخر فيلم شاهدته وظهر فيه عربي، إذن ماذا ترى؟

لحية سوداء، كوفية وعقال، نظارات سوداء. وفي خلفية الصورة ٍسيارة فارهة وحريم وخدم وجمال وصحراء... أو ترى رجلًا عربيًّا أو مسلمًا يحمل مدفعَ رشاش والحقد الأعمى يتطاير من عينيه ويردد كلمة (الله أكبر). أليس هذا ما تراه؟

وقد وجه الكاتب جاك شاهين سؤالًا صريحًا للأميركيين، وهو: متى كانت آخر مرة شاهدت فيها عربيًّا طبيعيًّا، رجلًا أو امرأة، يعمل ويشقى ويتعب لتحصيل قوته ويعود مساءً إلى منزله بين أهله وأولاده، يضحك ويغني، يبكي ويتألم، يحب ويحلم يلعب الكرة مع أولاده أيام العطل، يصلي في الكنيسة أو المسجد مع أترابه؟ باختصار رجلًا أو امرأة مثل كل الرجال والنساء تحب أن يكون من جيرانك أو أصحابك؟ وبالمقابل هل ترغب في أن يكون جارك أو الساكن في شارعك واحدًا من هؤلاء العرب الذين تشاهدهم في أفلام هوليوود؟

وتعمد الكاتب هنا في كتبه ومحاضراته أن يركز على أن العرب الأميركيين مسيحيون في الغالبية منهم (أكثر من 60%) وهذه مسألة يجهلها حتى المتعلمين والمثقفين من الأميركيين الذين يجهلون مثلًا أن (الله) هو نفس الاسم الذي يستخدمه المسيحيون العرب في صلاتهم وفي تعبيرهم عن الإله! والنقطة التي يحاول شاهين شرحها للأميركيين هي أن إغفال هوليوود في أفلامها صورة الأميركي الأسود أو الهندي الأحمر أو الياباني الأصفر أو اليهودي، كرجل عادي طبيعي، ساهم في تغذية العنصرية والكره للآخر المختلف وذلك من خلال إبقاء سوء الفهم والأفكار المسبقة والصور النمطية السلبية والشريرة. وأن هذا الأمر هو بالضبط ما يستمر ويتكرر بالنسبة للعرب بعد أن صار تشويه صورتهم وجعلها شيطانية لاإنسانية مجالًا للتنافس في أفلام هوليوود.

ويقول الكاتب جاك شاهين أن قيام السلطات الأميركية في شباط 1942 باعتقال واحتجاز أكثر من (100000) أميركي من أصل ياباني في معسكرات خاصة لم يستثر أي رد فعل لدى عامة الأميركيين تماما كما أن استعباد السود وحرمانهم أبسط حقوقهم الإنسانية والمدنية وشنقهم والاعتداء عليهم، أو إبادة الهنود الحمر، أو الهولوكوست الأوروبي بحق اليهود، ما كان له أن يستمر من دون سؤال أو معارضة كل تلك العقود لولا ما خلقته السينما والصورة والصوت من أوهام وأساطير عن هؤلاء الأشرار ذلك أن الأميركي العادي يمضي معظم وقته أمام الشاشة الكبيرة أو الصغيرة، وثقافته اليومية هي من صنع التلفزة والسينما. كما أن أفلام هوليوود تصل اليوم إلى كل أنحاء العالم وليس فقط إلى المتفرج الأميركي. ويضيف الكاتب قائلًا: إنه منذ منتصف الثمانينيات تعيد محطات التلفزة الأميركية أسبوعيًّا برمجة وبث حوالي (15 إلى 20) فيلمًا قديمًا يظهر فيها العرب بصورة الوحوش. مثل فيلم الشيخ (1921)، المومياء (1932)، القاهرة (1942)، السيدة الحديدية (1953)، سفر الخروج (1960)، الحصان الأسود (1979)، بروتوكول (1984)، القوة دلتا (1986)، ارنست في الجيش (1997)، وقواعد الاشتباك (2000)... والجدير ذكره هنا أن شاهين تعمد مسح الأفلام التي أنتجت قبل 11 سبتمبر 2001 وذلك للتأكيد على أن حالة مسخ صورة العرب لا علاقة لها ببن لادن أو صدام حسين أو بوجود حرب أميركية عربية ما. وهو يعقد مقارنة بين صورة العربي اليوم في هوليوود وصورة اليهودي في سنوات النصف الأول من القرن العشرين: حواجب كثة، أنف طويل معقوف، ثياب مختلفة (روب أسود لليهود وجلابية بيضاء للعرب)، جشع مادي وشهوانية جنسية، استعباد للنساء وحب للسيطرة على العالم، عبادة إله مختلف، قتل الأبرياء... إلخ.

ويرى شاهين أن تلك الأيام التي كان فيها اليهودي يرمز إلى كل ما هو منحط وخسيس وقذر وحقير قد ولّت، وحلّ محلها العربي والمسلم، فكأن العداء للسامية يستمر مع العرب اليوم علمًا بأنه لم يتوقف أبدًا حيالهم ـ وكما سبق القول ـ إذ هو ابتدأ منذ بداية السينما واستمر معها وتطور إلى صورته الراهنة.

ويُورد شاهين أسبابًا عدة لاستمرار صناعة الكراهية هذه في السينما الأميركية لأكثر من قرن، ومنها: الأسباب السياسية (كما في حال المخرجين والمنتجين الصهاينة، أمثال: مناحيم غولان ويوران غلوبوس وأفلامهما الشهيرة مثل القوة دلتا وكتيبة الجحيم إلخ...)، الكره فعلًا للعرب والمسلمين، صندوق المال حيث أن هذه الأفلام تدر أرباحًا جيدة، وأخيرًا غياب العرب الأميركيين عن الصناعة السينمائية.

وكما يقول سام كين في رسالة له عام 1986 وجّهها إلى جمعية رسامي الكاريكاتير الأميركيين "يمكنك أن تضرب وتصيب العرب إلى ما شاء الله وبحرية تامة ومجانًا، إنهم هنا مجانًا كأعداء وكأشرار (ببلاش)، في حين أنه لم يعد بإمكانك أن تفعل نفس الشيء مع يهودي أو أميركي أسود"

وفي مقارنة أخرى يقول الكاتب شاهين كيف أنه وخلال ساعات فقط من الإعلان عن حادثة تفجير المبنى الفيدرالي في أوكلاهوما سيتي كان العرب هم المتهمون والضحية، إذ حصلت أكثر من (300) حادثة اعتداء عليهم دافعها الكراهية العنصرية بتأثير الصور النمطية المشوهة، وفي استعراض سريع لتأثير الصور النمطية على الشبان والشابات العرب في أميركا يورد شاهين عدة مقابلات وأقوال يظهر فيها حرج وخجل العرب من الإعلان عن أنفسهم كعرب في تجمعهم ومحيطهم. ولا يقتصر ذلك على الشبان والشابات في المدارس والجامعات، بل إن ممثلًا شهيرًا حاز على جائزة الأكاديمية للتمثيل (1984) عن دوره في الفيلم الرائع أماديوس (الذي يروي قصة حياة وموت موزارت) يخفي اسمه العربي، وهو فريد موراي إبراهيم، ليصبح ف. موراي أبراهام... ويقول لاحقًا: "عندما ابتدأت التمثيل لم استطع استخدام اسمي فريد لأنني كنت سأحصل حينها فقط على أدوار العربي الذي يقتل كل الناس، ولو أنني جئت باسمي فريد إبراهيم لما حصلت على أي دور مهم".

لم تخلق هوليوود تلك الصور النمطية السلبية عن العرب، فهي كانت ـ أولًا ـ من صنع الاستشراق الأوروبي الذي درسه وحلّله إدوارد سعيد في كتابه الشهير(الاستشراق)، لقد صوّر الكُتّابُ والرسامون الأوروبيون بلادَ العرب في صورة الصحاري القاحلة المميتة، والقصور الفاسدة المنحطة، والأسواق المكتظة الوسخة والفوضوية... أما الوجوه فكانت وجوه ذلك الآخر الكسول الملتحي الوسخ والجهنمي. وفي كتب المستشرقين صورة العربي التاجر المحتال والعاشقات الشبقات والجواري في أسواق النخاسة، وقد وصار كل ذلك جزءًا من الثقافة الشعبية الأوروبية التي لم تعد ترى العربي إلا بواسطة نظارات ألف ليلة وليلة (أكثر الكتب ترجمة إلى لغات العالم بعد الكتاب المقدس).

وفي مطلع القرن العشرين نقل المصورون الأوروبيون هذه الصورة إلى السينما الصامتة وخصوصًا الفرنسي جورج ميلياس (فيلم قصر الليالي العربية 1905) في تصويره للصحراء والحسناوات الراقصات في حريم الرجل العربي البشع راكب الجمل وحامل الخنجر يقتل به ليسطو على قافلة ويغتصب امرأة غيره غير مكتف بالحريم والجواري التي عنده! ومن ساعتها لم تتغير تلك الصورة وإنما أضيف إليها الأسلحة الحديثة ومخططات القتل الجهنمية والإرهاب الدولي بقيادات عربية وإسلامية وخطف واحتجاز الرهائن في طائرات أو صواريخ عابرة للقارات.

وتُظهر أعمالُ هوليوود المسماة بالفنية العربيَّ بأنه الشيخ القبيح المنظر الكريه الأخلاق والسلوك، حتى أن الأميركيين لا يعرفون ما تعنيه كلمة (شيخ) بالعربية (من عمر وحكمة وخبرة في الحياة). وقد أحصى شاهين أكثر من (160) فيلمًا، الشيخ فيها عجوز متصابي يلاحق النسوان لاغتصابهن، وهو مثال البخل مع الجشع أيضا. ويستعرض الكتاب عشرات الأفلام الصامتة التي أخرجت في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين وهي كلها تحمل هذه الصورة النمطية عن الشيخ. ثم يقارن بينها وبين الصورة التي نقلتها أفلام القرن العشرين، وحتى الواحد والعشرين أيضًا... فإذا هي نفس الصورة لم يتغير فيها سوى الألوان والنطق.
ثم ينتقل إلى الجواري، فهم لا يعرضون ولا يظهرون المرأة العربية إلا في صورة الجارية والخادمة والحريم والعبيد أو راقصات البطن والخلع، أو البدينات المتسربلات بالحجاب والنقاب المتعثرات في مشيهن المرتبكات في كلامهن، وفي أفلام حديثة هن إرهابيات لا شفقة ولا رحمة في قلوبهن، وفي مطلق الأحوال هن تابعات ذليلات للرجل الذي يملك الحق في أن يفعل ما يشاء من دون أن يسألنه أو يناقشنه أو يرفعن العين في وجهه.

ثم وبالحديث عنالمصريين، فببساطة قامت هوليوود بمسخهم في شكل كاريكاتيري حيث يظهرون في أكثر من (100) فيلم، وفي العقود الأخيرة كانوا الشخصية المفضلة للمسخ والتشويه في أفلام المغامرات من نسخ إنديانا جونز أو أفلام المومياء والتي ظهر منها حوالي (26) ناهيك عن أفلام كليوباترا (حوالي 15). ويتساءل شاهين: وكأن هوليوود لم تسمع مثلًا بنجيب محفوظ أو روز اليوسف أو العشرات والمئات من الكتاب والمثقفين والفنانين، أو حتى بالشعب المصري الطيب البسيط في أرضه أو متجره أو مدرسته أو جامعته !
وعند الانتقال للحديث عن الفلسطينيون وطبيعتهم بعين هوليوود فقد شاهد الكاتب أكثر من (40) فلمًا خطيرًا ومضللًا، أكثرُ من نصفها خرج في الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين. تسعة عشر منها في الفترة ما بين 1983 و1989. تسعة بين 1990 و1998. وتغيب عن تلك الأفلام صورة الفلسطيني العادي، أو الضحية المظلوم، فهم كلهم وبدون استثناء من خلال هذه الأعمال يظهرون بصورة الأشرار المجانين بينما كل الإسرائيليين الضعفاء المنبوذون دون سبب هم طيبون وعقلاء. نجد أن نصف الأفلام عن الفلسطينيين (28) تم تصويرها في إسرائيل، ويظهرالفلسطيني على أنه المثال المعبر عن الإرهاب والوحشية والجنون القاتل واللاعقلانية من خلال تلك الحجارة التي يقذفون بها الجنود الإسرائيليون الطيبون المتسامحون الذين لا يردون إلا بطلقات تحذيرية ونصائح تلقى من الطائرات تحث هؤلاء الإرهابيين على السلام والعيش بسلام.
ويلخص الكاتب في كتابه نظرة الغرب للعرب بأنهمالعرب الأشرار، الأبالسة، يهاجمون أيًّا كان، وهم مهابيل وسخفاء تضحك منهم وتسميهم قردة وكلابًا، وهم جشعون يركضون وراء المال والربح كما أنهم شهوانيون لا يتعبون من الجنس والجواري والحريم ونظرتهم إلى المرأة نظرة استعباد واستمتاع، وهم عمومًا يكرهون أميركا والأميركيين بالفطرة؛ (لأنهم يكرهون نمط الحياة والحرية والديمقراطية الأميركية على حد قول بوش في أحد خطاباته).

 

والسؤال الذي يطرح نفسه ها هنا ـ وهو في غاية الأهمية ـ: ما سبب هذه المنهجية في تزييف حقيقة العرب والمسلمين وإظهارهم على هذا النحو؟!

للإجابة على هذا التساؤل تعمقنا أكثر في كتاب جاك شاهين لنخرج بجزء من الإجابة، ويبقى الجزء الثاني استنتاجٌ للواقع الذي نعيشه في أيامنا هذه، فهناك دوافع خاصة بنظرة الأمريكيين للعربي بشكل خاص والمسلمين بشكل عام، ودوافع أخرى خاصة بنظرة العربي لنفسه.

أما بالنسبة لنظرة الأمريكي للعربي بشكل خاص والمسلمين بشكل عام والتي طرحها شاهين من خلال كتابه والنتيجة التي توصل إليها فالغرض من إظهار العرب والمسلمين على هذا الشكل من كرههم للأميركيين كان المقدمة الطبيعية لتمرير استسهال قتلهم وذبحهم ذبح النعاج في غارات شهدنا مثيلًا لها في العراق وأفغانستان. في فيلم قواعد الاشتباك (2000) والذي يظهر الأطفال اليمنيون وهم يقتلون الأميركيين... وفي المشاهد الأخيرة للفيلم يفتح المارينز النار على مظاهرة سلمية لأطفال ونساء اليمن وسط تهليل وصراخ وتصفيق المشاهدين في دور العرض. حتى يصل الأمر بمدير إنتاج الفيلم (فريدكين) أن تباهى بأنه شاهد آلاف المشاهدين يقفون ويصفقون لهذا المشهد في طول البلاد وعرضها (على ما نقل مراسل صحيفة الإندبندنت الإنكليزية في عدد 30 تموز 2000).

والجدير بالذكر بأن هذا الفيلم قد حظي بدعم وتعاون وزارة الدفاع وقيادة المارينز. كما أن هناك أكثر من خمسة عشر فيلمًا خرجت بعد حرب الكويت (1991) حظيت أيضاً بهذا الدعم وهي تظهر العرب أعداء للأميركيين وقتلة بدائيين. ومثال على ذلك فيلم قرار تنفيذي 1996 وضربة الحرية 1998.

 

أما بخصوص نظرة العرب والمسلمين إلى أنفسهم من خلال عيون هوليوود فهذا هو الأمر الأخطر حيث أنه قد ظهر في الآونة الأخيرة يبدو جليًّا لجوء الشباب العربي إلى التنكر من عاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم وانتمائهم والابتعاد بل وإنكار الهوية العربية بتقليد الرجل العربي للرجل الأمريكي والغربي، وتقليد النساء العربيات للنساء الأمريكيات والغربيات تقليدًا أعمى، أفقد هؤلاء هويتهم وثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم التي تربى عليها آبائهم وأجدادهم. أصبح تقليد المجتمع الغربي في أتفه أمورهم الحياتية هو الدليل على التمدن والتحضر، وصار من يعارض تلك الثقافة والهوية الغربية ينعته الآخرون بالجهل والتخلف والرجعية وزادت هذه الظاهرة في فترة السبعينيات مرورًا بالثمانيات والتسعينيات من القرن الماضي وصولًا إلى ما نحن عليه الآن من تقليد أعمى للأعمال الفنية والثقافية والعادات والتقاليد.

ليت تقليدنا للغرب كان في سعيهم الحثيث للحصول على التكنولوجيا والتقدم التكنولوجي وفي التكافل الاجتماعي والاحترام والتقدير للعلم وللعلماء وإعلاء شأنهم ومساندتهم وتقدير دورهم في رقي المجتمعات، ولكن وللأسف فإن التقليد لهم لم يصبنا منه سوى التقليد لأقل أمورهم شأنًا، من لباسٍ متفسخ واختلاطٍ مذموم وحرية دون قيود أخلاقية، وتفكك أسري والإيمان بأمور منافية للدين والعقل والمنطق.

ومن هنا فقد آن الأوان لأن نصنع صورتنا الحقيقية في عيون الغرب ومن قبلها في عيون أبنائنا. وهذا لن يحدث إلا بتكاتف الجهود لإنشاء هيئة مختلطة من فنانين وكتاب ومثقفين وقانونيين، كلٌّ يتطلع بدوره في إزالة تلك الصورة القبيحة التي رسمتها هوليوود عن العرب والمسلمين.

وعلى الحكومات العربية والإسلامية حول العالم أن تساند هذه الهيئة بالمال والدعم السياسي في كافة المحافل حتى يتمكن ـ مثلًا ـ الطرفُ القانوني من مقاضاة أي عمل فني يُظهر العرب والمسلمين بصورة إرهابيين ومتخلفين وإظهارهم بصورة غير صورتهم الحقيقية، وهذا بالطبع سوف يجعل الكثيرين ممن يستسهلون الاستهزاء بالعرب في أعمالهم ينظرون إلى الضرر الذي سيلحق بهم في حال قاموا بصناعة أي عمل من تلك الأعمال المسيئة للعرب، ويقوم الجانب الفني بالمشاركة في إنتاج أفلام سينمائية على نفقة الحكومات العربية والإسلامية تعرض الحقيقة لمجتمعاتنا وتظهر الطيبة والسماحة والكرم والأخلاق التي تتصف بها مجتمعاتنا، ومن جانب الكُتّاب والمثقفين أن يشاركوا في الندوات والأمسيات الثقافية ويطرحوا أفكارهم التي سوف تغير رويدًا رويدًا من الصورة الذهنية الملتصقة في أذهان المجتمعات الغربية. وهكذا نستطيع أن نوقف هذه الحملة الخبيثة على العرب والمسلمين. هذا في الخارج.

أما من ناحية الداخل فلابد أن يكون هناك ميثاق شرفي إعلامي يجمع كل الدول العربية والإسلامية يضمن عدم إخراج مثل تلك الأعمال الفنية من مسلسلات وأفلام ومسرحيات متدنية المستوى التي ساعدت بدورها في فقدان الفن العربي والإسلامي للقيمة الأخلاقية في توجيه رسالة للمجتمع بشكل عام وفئة الشباب بشكل خاص.

ففي الكثير من البلدان العربية أصبحنا نرى أعمالًا تُسمى بالفنية وهي في حقيقتها لا تحمل من الفن شيء وليست إلا مجرد إسفاف وتدمير للعادات والتقاليد والأخلاق التي تربينا عليها. فأصبحت كل الأعمال تقريبًا لا تُظهر من المشكلات التي تواجهها المجتمعات العربية إلا الصورة السلبية والمقيتة... أعمال لا تساعد على حل المشكلات الاجتماعية التي من الطبيعي أن تواجه أي مجتمع بل تجعل من المشكلة أمراً واقعاً ومسلماً له عملًا بعد عمل نجد أن أطفالنا وشبابنا وبناتنا ونسائنا تترسّخ في أذهانهم صورة تتعارض تمامًا مع ما تربوا عليه، وإذا بهم يصلون إلى مرحلة يتنكرون فيها من عاداتهم وتقاليدهم ويكرهون العيش على هذا النمط فيفكرون في استبداله بالنمط الغربي مع تلك القشرة اللماعة التي يروج لها الإعلام الغربي وإعلامنا العربي.

 

التدقيق اللغوي: خيرية الألمعي.

{jcomments off}

 

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

nashiri logo clear

دار ناشري للنشر الإلكتروني.
عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

 

اشترك في القائمة البريدية