نستطيع الحديث اليوم عن ميزان قوى جديد بين الفلسطينيين واسرائيل من حيث الإمكانات المادية والبشرية. وقبل الخوض في عباب المستجدات لابد من سرد تاريخي بسيط لميزان القوى بين الطرفين لنتمكن من التنبؤ بنتائج أي حرب قادمة بينهما. الجميع يعرف أن قوة إسرائيل سحقت الجيوش العربية في حربي 1948 و 1967م، لكننا لم نحلل ونتأمل تلك الحروب لنعرف إن إسرائيل سحقت سرابا عسكريا عربيا ولم تسحق جيوش! ففي العام 1948 كان تعداد الجيش الإسرائيلي مئة ألف مقاتل مدربين ومنظمين ويمتلكون احدث الأسلحة آنذاك. وأما العرب فلم تكن جيوشهم السبعة تتعدى ال50 ألف مقاتل غير مدربين ولا مجهزين بأي سلاح كافي. ناهيك عن الخيانة والتشرذم، وعدم
وجود قيادة موحدة وعدم دراية بالمنطقة. ونستذكر هنا (كلب باشا) قائد الجيش الأردني الإنجليزي، والذي عمل لصالح اليهود. وفي نهاية الأمر نريد إدراك أن إسرائيل لم تنتصر على أحد، بل كانت حربهم وهمية إعلامية قصدت منها إسرائيل وحلفاءها إرهاب العرب بجيش إسرائيل المزعوم. ولكي نكون على قدر من الفهم والتحليل لابد أن نضع إسرائيل بمكانها الطبيعي، فلا نقلل من قوتها ولا نعطيها أكبر من حجمها. بل ندرسها جيدا وبحسب نظريات العلم العسكري الحديث. وأما حرب 1967م فقد كانت نزهة للجيش الإسرائيلي أمام جيش مصر الذي كان يفصله عن قيادته صحراء سيناء الشاسعة، ولا يمتلك أي وسيلة للدفاع عن نفسه. وقد كانت قيادة الجيش المصري آنذاك مشغولة بأمور ليس لها علاقة بالعسكرية. وأما الجيش السوري فقد لخص حاله أحد جنرالاته، والذي قال في مذكراته بأن الدبابة التي كان يركبها تعطلت أثناء الانسحاب أمام الجيش الإسرائيلي، فاضطر لإطلاق مدفعية دبابته أثناء الانسحاب لأنه اعتبر أنهم في عداد الموتى فقال: "فوجئت بتوقف التقدم الإسرائيلي والتراجع للخلف" وقال: "تمنيت لو أن كل دباباتنا تعطلت لننتصر على الجيش الإسرائيلي". ما سبق سياق تاريخي يحلل انتصار اليهود المزعوم والذي تبلور في الفكر العربي على أساس هزيمة العرب وفي الحقيقة أن العرب لم يحاربوا أصلا، وإنما كانت أوهام تسربت لعقول العرب بقصد أو بدون قصد
ولنبدأ الآن بتحليل الموقف الجديد حول سيناريوهات الحروب القادمة وفق المتاح للفلسطينيين فقط، وخاصة حركة حماس التي بدأت مشوارها العسكري بمواجهات بالحجارة بداية العام 1987م، ثم تطورت لحرب السكاكين في العام 1988-1989م، وخطف جنديين هما ايلان سعدون وايفي سبورتس. ومن ثم تطور نظام حماس العسكري بعمليات إطلاق النار بأسلحة رشاشة بدائية، أتت أكلها من خلال عمليات قتل جنود وخطف بنادق هؤلاء الجنود القتلى، وكان ذلك في الأعوام 1991-1993م. وقد انتهى ذلك بإسرائيل إلى عقد مفاوضات، أدت بالنهاية إلى اتفاقية أوسلو وإيجاد نظام سلطة تلتزم بتوفير الأمن مقابل الغذاء، وإدارة محلية تعتني بالتعليم والصحة لسكان قطاع غزة خاصة. وقد تخلل النظام العسكري لحماس آنذاك عمليات تفجير داخل فلسطين المحتلة. وهنا لابد من الإشارة إلى تطور العمل العسكري الفلسطيني ضد إسرائيل. وقد تواصلت جهود الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي في تطوير الفعل ورد الفعل حتى وصلت الأمور لقمع نظام حماس العسكري وتجميده حتى العام 2000م، وهي بداية انتفاضة الأقصى، والتي أعطت الفرصة لنظام حماس العسكري بإعادة هيكلته من جديد، وفق رؤى مختلفة ونظريات جديدة، حتمت عليها تأسيس جيش مقاوم بالدرجة الأولى، ونواة لنظام عسكري متكامل يحمي مشروع حماس على المدى البعيد. وقد كان الفكر العسكري لحماس آنذاك يرتكز على بناء منظومة محكمة لا يمكن صهرها فيما بعد. وكان ذلك نتيجة لتجربة سابقة أدت لشلل تام لعسكر حماس. تشكلت المنظومة العسكرية التابعة لحماس بجهود مضنية ووفق معايير دقيقة، من خلال التدريب بالتجربة والخطأ. وساعد حماس في ذلك دعم خارجي، وآخر داخلي من خلال قاعدة حماس الشعبية المنتشرة بقطاع غزة وخارجه. وأثناء ذلك حاولت إسرائيل تطوير قدراتها الاستخبارية ضد نظام حماس العسكري، وبذلك كانت حماس تتطور عسكريا بشكل سريع، وإسرائيل تحاول التطور استخبارتياً، كونها أصلا بحالة جيدة عسكريا. فليس هناك أبعد من سلاح الجو والدبابات الميركافاه. أما حماس فقد كان لها متسع للتطور العسكري. ووصلت الأمور لميزان جديد وهو قوة إسرائيل الموجودة أصلا من دبابات، ومشاة، وطيران، وقوة استخبارية. وقوة حماس الجديدة من آلاف مدربين، وأسلحة جديدة موزعة على عناصرها، إضافة لنوعيات جديدة من الأسلحة، استطاعت حماس الحصول عليها من الخارج. إضافة لصورايخ من صنع محلي، ومن دول صديقة. ووفق ما استخدمت حماس فإنها تمتلك أسلحة تساعدها في صد أي هجوم بري بجدارة، كما أنها تستطيع مناوشة الطيران ببعض الأحيان، وأيضا لها قدرة على ضرب عمق الكيان بصورايخ محلية الصنع، وربما لديها صورايخ تصل لأي نقطة بفلسطين حسب ادعاء إسرائيل. ووفق موقع ديبكا فان حماس تمتلك طائرات بدون طيار، قد حصلت عليها مؤخرا من دول داعمة لنظام حماس العسكري. وبالتالي فإن معادلة القوة أصبحت مختلفة تماما عما مضى، وأصبح لدى نظام حماس العسكري قدرة على التأثير بشكل واضح على الكيان الصهيوني، بل لديها القدرة على كبج جماح اعتداء إسرائيل. ولو أردنا وصف عناصر القوة لدى النظام العسكري لحماس في المرحلة القادمة، وحسب معلومات معلنة وغير سرية، ناهيك عما لا يعرفه أحد وهو ما يسمى بمفاجآت الحروب، ومما هو معلن أّذكر هنا عناصر قوة النظام العسكري لحماس:
1- القاعدة الجماهيرية العريضة داخل وخارج فلسطين، والمؤيدة بقوة لأي عمل عسكري لحماس. فهؤلاء يمثلون الحماية الإستراتيجية لنظام حماس العسكري، ويعتبرون متطوعون مجانيون، ويمثلون مدد مادي ومعنوي فوري.
2- قوة حماس العددية الكبيرة من فئة الشباب. فإن جيش حماس المنظم والمدرب تدريبا محكماً على القتال يبلغ أكثر من خمسين ألف مقاتل، مسلحون ومقسمون حسب نوعية السلاح وطبيعته، بما في ذلك الخدمات الطبية العسكرية، والمرافقة ميدانيا لأي وحدات قتالية.
3- نوعية الأسلحة لدى نظام حماس العسكري والتي على أقل تقدير تتجاوز الأسلحة الفردية، من الكلاشنكوف، وm16، والصواريخ محلية الصنع المضادة للدروع، وRPG،وقذائف الياسين، وصورايخ موجهة لتدمير الدبابات والألغام الأرضية قوية التأثير، والتي يمكن أن تجعل أي دبابة رماداً في المكان. وصورايخ يمكنها ضرب أماكن داخل الكيان بدقة يتجاوز مداها 70 كيلو.
4- الخطط الدفاعية والمتمثلة في أنفاق تحت الأرض، تجعل من المناطق التي يتواجد بها مقاتلو حماس ميدانا خصبا للتحرك بسهولة بالغة، والالتفاف حول أي جنود إسرائيليين.
5- النظام العسكري لحماس يمتلك وسائل اتصال سلكية ولا سلكية، تمكنه من التواصل بأشكال مختلفة باستخدام أحدث وسائل الاتصال والنقل والتحرك.
6- امتلاك نظام حماس العسكري لمنظومة بشرية وتكنولوجية فريدة، وعقول لديها قدرات مميزة للتخطيط والتوجيه، ومعالجة مواقف مستجدة في نفس اللحظات وبدون إرباك.
7- المحيط المقاوم من فصائل داخل وخارج مناطق حماس، والتي تربطها بنظام حماس العسكري مصالح وطنية ودينية وإستراتيجية.
8- بعد الربيع العربي أصبح هناك أنظمة حاكمة في الدول المجاورة إن لم تساعد فستكون غطاءًا دوليا معتبرًا.
9- العقيدة التي يلتزم بها مقاتلو حماس تساعدهم كثيراً في المواجهة، وهي المحرك الأساسي لأي مقاتل شجاع.
10- من عناصر القوة أيضا المؤسسات المختلفة، السياسية والمدنية والتعليمية والإعلامية لتنظيم حماس.
11- من ابرز عناصر القوة لدى نظام حماس العسكري المنظومة الإعلامية الداخلية، والتي تساندها منظومات إعلامية أخرى في الداخل والخارج.
12- مما يجدر قوله ايضاً التراجع اللافت للنظر لقوة إسرائيل وجيشها بعد هزائم متكررة في لبنان وغزة، وعدم قدرة جيشهم على حسم أي حرب، أو إحراز أي نتائج تذكر.
13- حساسية إسرائيل وشعبها من نظرية الأمن المفقود، والذي سيجعلهم في أي مواجهة قادمة يتصرفون بحماقة كبيرة، يمكن أن تؤثر على وجود إسرائيل برمته.
14- تغير مواقف دول كبرى في العالم اتجاه الصراع، وإحساسهم بأن إسرائيل تمثل عائق كبير في استقرار المنطقة، لأن الربيع العربي يمكن أن يصبح ربيع عالمي، وشعوب العالم المتقدم أكثر جرأة وقدرة وحظ في تغيير أنظمتهم بدقائق، ولا يحتاجون لشهور للتغيير.
ومما سبق يتضح أن ميزان القوة بين إسرائيل وحماس في صالح الأخيرة بصورة كبيرة، والمواجهات القادمة ستشهد تطورات مفاجئة لايمكن ذكرها الآن، ولكن يمكن ملاحظتها مستقبلا.ً
المدقق: مريم الهلال