مستقبل العلاقات بين حماس وجماعة الإخوان
حقيقة إن حماس جزء أصيل من جماعة الإخوان فقد ولدت منرحم الإخوان واتخذت مبادئ وأهداف جماعة الإخوان طريقا للعمل الحركي منذ نشأتها ولا زالت. ففي العام 1987 ومع انطلاق الانتفاضة الأولى برزت حماس كتنظيم قوي مختص في فكرة تحرير فلسطين، وكان للجماعة الأم دور في دعم الحركة داخل فلسطين. وأما كبار السن المنتسبين لجماعة الإخوان داخل فلسطين فكانوا بمثابة رجال الدعوة والآباء الروحيين لشباب حركة حماس وبقي ذلك حتى تم الإعلام والتوضيح في التسعينات بأن حماس جزءٌ لا يتجزأ من جماعة الإخوان. وكان ذلك لأسباب تخص جماعة الإخوان لتثبت للكثير بأن لها دور كبير في جهاد فلسطين لتلقى الدعم الجماهيري من العالم الإسلامي في ظل تنامي أفكار التنظيمات الأكثر حراكاً في المجال المشاكس للنظام العالمي. وبالفعل نجحت جماعة الإخوان في إظهار الدور الكبير لهم في المقاومة الفلسطينية المتمثلة بحركة حماس. وبناء على ذلك تم ضخ الكثير من المال للحركة في الداخل الفلسطيني لبناء المؤسسات المختلفة، مثل جمعيات رعاية الأيتام وكفالتهم. وبقي ذلك مستمرًا إلى أن فازت حماس بالإنتخابات التشريعية داخل الأراضي الفلسطينية. وزاد فخر الجماعة الأم بتلك الحركة التي أنجزت خلال بضع سنين فوز كاسح على أكثر من مستوى. وكان إعلام الجماعة الأم يتغنى بهذه الإنجازات لما لها من دور كبير في ظهور الجماعة كتيار له دور في صناعة التاريخ وخاصة في بقعة ساخنة كفلسطين. وبقيت الجماعة تراهن على حماس حتى
في دعايتها الإنتخابية بمصر. ولما فازت الجماعة بمجلس الشعب والشورى والرئاسة، تقلد مرسي رئاسة مصر وكانت أولويات الجماعة تتضمن مصالح التنظيم، وأهمها تخليص المجتمع المصري من مشكلات الفقر والبطالة..الخ لأن النجاح بذلك هو مصلحة لتنظيم الإخوان والذي يسعى للبقاء في السلطة، لأن السلطة وقوة التنظيم وجهان لعملة واحدة. بدأ مرسي رئاسة مصر وكان موفقًا إلى حد كبير في تحقيق أهدافه. بيدأن مشكلة فلسطين ليست الحدود بين مصر وقطاع غزة، أو حتى الحصار المفروض على غزة، فقد كان هناك رغبة جامحة في إعلان رسمي برفع الحصار عن قطاع غزة أمام العالم كله ليستفيد من ذلك حركة حماس وجماعة الإخوان الحركة الأم . بيد أن هناك نظام عالمي لم يهدد مرسي إن فعل ذلك، ولكن مرسي يدرك تماما إن رفع الحصار عن غزة قرار له ما بعده من تبعات. فقرر تأجيل هذا الإعلان للوقت المناسب والذي ربما لن يأتي قبل ظهور المهدي. وليس معنى ذلك تخلي الحركة الأم عن حماس. وإنما هناك طرق وبدائل لا تحرج مرسي وتفي بالمطلوب من حيث الدعم المالي للحركة من تحت الطاولة، والدعم السياسي العلني التدريجي حتى يستوعب نظام العالم فكرة انخراط حماس بمنظومة العالم السياسية. ومن أجل هذه الرغبات والأفكار الإخوانية بدأ الإخوان بمصر باتباع خطة جديدة بعلاقتهم مع حماس، وهي التعامل بشكل رسمي مع حماس كفصيل فلسطيني وعلى مسافة واحدة وبالتوازي مع حركة فتح، واعتبار أبو مازن هو السلطة الرسمية، وهو التعامل الذي يعترف به العالم. وتبقى آليات العمل التنظيمي الإخواني الداخلي تدعم حماس دونما إعلامًا أو إعلانًا. وهذه الإستراتيجية الجديدة ابتدعها الإخوان من خلال مستشارين على مستوى الدولة ليس لهم وضعا تنظيما تعاطفيا وإنما هم مستشارين وظيفيين تعلموا وتربوا وفق معايير سياسية دولية، وليس وفق معايير مبادئ الإخوان. وعلى سبيل المثال صرح رئيس الوزراء هشام قنديل قبل أسبوعين بأنه أعطى تعليمات صارمة بمنع تهريب الوقود لغزة مهما كلف الأمر، وقد تم ذلك بالفعل وهذا العمل لم يقم به نظام حسني مبارك. ليس وطنية أو تعاطف مع غزة بقدر ما هو فسادًا إداريًا بمصر، وخوف من مجهول آثار خنق غزة. بيد أن حكومة الإخوان تدرك أن حماس قادرة على ضبط غزة، ومنع أي انفجار لغزة باتجاه مصر. وحتى مسالة تفجير الأنفاق لم تعترض حماس بغزة على ذلك. ومن المتوقع أن يتم المزيد من الإجراءت ضد غزة، وستبقى حماس صامتة لأنها تأمل بان مواقف الإخوان مؤقتة وإنه لا محالة ستتغير، لأن الحركة هي الابن الشرعي، وأن العلاقة بينهما زواجاً كاثوليكيًا. ولا ننسى أن دخول حماس بالحكومة أجبرها على اتخاذ مواقف مختلفة عما لو كانت خارج الحكومة. فتحملها أعباء اقتصاد غزة جعلها تفكر ألف مرة قبل السماح بإطلاق الصورايخ باتجاه الكيان الصهيوني. وهذا ليس جريمةً أو عيبًا، وإنما هو من ضرورات الحكم. وكذلك الإخوان اليوم، لن يكونوا بأي حال من الأحوال إخوان الأمس. لأن هناك مبدأ ضرورات الحكم، والتي يمكن أن تعكر العلاقات بين الجماعة والحركة. ربما يكون لدى الإخوان قدرات لا يعملها أحد، أو أفكارًا إبداعية، من خلالها تستطيع موازنة الأمر وتمكنها من استيفاء متطلبات شعب مصر. بالإضافة إلى الدعم بشتى أشكاله لحركة حماس، وأعتقد إن من خيارات الإخوان، توفير الدعم السياسي لحماس عبر قنوات رسمية وغير رسمية على مستوى العالم لتمكنها من جمع الأموال اللازمة لاستكمال مشوارها بداخل فلسطين. ولن يكون هناك عوائق بحصار مالي، كون مصر مكانًا آمنا لاستقبال ما يكفي لغزة دون لفت الأنظار. وربما يكون هناك ضغط إخواني خاص على أمريكا وإسرائيل بعدم خنق حماس بغزة مقابل عدم نشر قوات مصرية بسيناء وهكذا . هناك خيارات واسعة وبدائل متعددة للجماعة لدعم حماس غير رفع الحصار بشكل مباشر. وبشكل عام لن تكون حدود غزة اليوم كحدود غزة أيام مبارك.
المدقق: مريم الهلال