الحملة الشرسة على الإسلام ومقدساته في الدانمارك والنرويج وغيرها من البلدان الغربية لم تنطلق بشكل مفاجئ من خلال رسومات مهينة لنبينا الحبيب محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام والتي كانت وراءها جريدة يولاند بوستن الدانماركية, بل إنّ الحملة على هوية المسلمين و حضارتهم و ثقافتهم ترتبط بمشروع متكامل في الجغرافيا الغربية وهذا المشروع على تماس مؤكّد مع الإستراتيجية الأمريكو- صهيونية وتأتي هذه الغارة الكبرى على ثقافة المسلمين ومقدساتهم لتتممّ الهجمة العسكرية الأمريكية على جغرافيا واسعة من العالم الإسلامي وإذا كانت الهجمة العسكرية الأمريكية تستهدف الجغرافيا فإنّ الغارة الغربية الأوروبية والصهيونية تستهدف الحضارة الإسلامية والتاريخ والهوية والانتماء ..

و قد شهدت الجغرافيا الغربية العديد من الإهانات التي وجهت للإسلام عبر الإعلام والمسرح والتصريحات السياسية والمواقف الحزبية, وقد إنطلقت هذه التصريحات والمواقف في وقت واحد في شمال أوروبا كما في جنوبها الأمر الذي يؤكّد وجود مشروع حيوي يستهدف الوجود الإسلامي في الخارطة الأوروبية, وقد تكرسّ هذا التوجّه بعد الحادي عشر من أيلول – سبتمبر, وبعد نشر الإتحاد الأوروبي لإستطلاعه الموسّع والذي إعترف فيه الأوروبيون بأنّ أخطر دولة على السلام العالمي هي الدولة العبريّة

وقد لوحظ بعد هذا الإستطلاع نشاط ساخن للسفارات الإسرائيلية في العواصم الغربية لقلب الصورة وجعل المسلمين الأخطر على السلام العالمي بدل الصهاينة .

لقد دخلت وسائل الإعلام الغربية و المملوكة في مجملها ليهود غربيين والذين نعرفهم بأسمائهم وتاريخهم في حالة طوارئ , وبشكل سريع ظهرت مئات الكتب والمقالات والدراسات والبرامج الوثائقية المصورة والتي تحمل في مجملها على الإسلام وتعتبر الخطر الأخضر أشد خطرا من الخطر الأحمر وأنّ على الغرب أن يتصدى لهذا الخطر, وقد شكلّ وصول حركة حماس إلى الحكم في فلسطين المحتلة حافزا لتصعيد هذه المواجهة وبداية وصف الإسلام بالأحادية ووأد الرأي الآخر و تكميم الأفواه وما إلى ذلك من النعوت التي نعتت بها الحضارة الإسلامية في الغرب .
أما إنطلاق هذه الحملة في الدانمارك وبالتالي في شمال العالم على وجه التحديد , فالمسألة كانت في نظري مقصودة, فدول شمال أوروبا النرويج الدانمارك والسويد وفنلندا وإيسلندا لم تدخل في صراع تاريخي مع العالم الإسلامي ولا توجد لهذه الدول إرث إستعماري في العالم الإسلامي كما لفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا وأمريكا وبلجيكا وهولندا والبرتغال , وهذا ما أهلهّا أن تمنح بعض الحرية للمسلمين والتي قد لا تتوفرّ لأقرانهم في الدول ذات الإرث الإستعماري, وقد ركزّت بعض الدراسات الإسرائيلية على ضرورة ضرب الوجود الإسلامي في هذه المناطق , وجرى التحريض على هذا الوجود خصوصا عندما وصل اليمين المحافظ إلى الحكم في الدانمارك وقبول قادته الإنصياع بالمطلق للسياسة الأمريكية, حيث أصبح رئيس وزراء الدانمارك راسموسين شبيها برئيس وزراء بريطانيا توني بلير الذي وصفته بعض الصحف البريطانية بكلب بوش, و بدأت السياسة الدانماركيّة تتحركّ في خطّ مواز للسياسة الأمريكية, ومعروف أنّ دانمارك اليمين المحافظ أرسلت جيشها وطائراتها المقاتلة إلى أفغانستان و إلى العراق رغم الحيادية القانونية الموجودة في الدستور الدانماركي

وللإشارة فإنّ القس السويدي رونارد سوغارد والذي إتهمّ الرسول محمد –ص- في عظة يوم أحد في السويد بأنّه مزواج ويحب الفتيات الصغيرات و التي نشرت جريدة أفتون بلادت الشهيرة في السويد تصريحاته , تلقى الضوء الأخضر بإطلاق هذه التصريحات من الكنيسة الإنجيلية المحافظة – التابعة للمحافظين الجدد - في كاليفورنيا في أمريكا , وقد كان ذلك قبل إهانات يولاند بوستن لرسولنا الحبيب – ص- بشهور ..

وفيما يتعلق بالموقف الأوروبي من القضية فإنّ أوروبا التي حاولت مبدئيّا الدفاع عن الدانمارك, بدأت تنأى بنفسها عن الدانمارك وخصوصا بعد الضربات القاصمة والموجعة للاقتصاد الدانماركي جراّء المقاطعة الرائعة للمسلمين للبضائع الدانماركية , والأمن الاقتصادي بالنسبة للغربيين قد يكون أهم من الأمن السياسي, وقد حاول العديد من الرسميين في الغرب إبداء تفهمهم لغضب المسلمين, بل إنّ المخابرات السويدية بادرت إلى إغلاق فوري لموقع إلكتروني تابع للحزب الديموقراطي اليميني المتطرف والذي أعلن هو الآخر عن مسابقة لرسم النبي محمد عليه الصلاة والسلام .

وما حدث في الغرب من إستهداف لحضارة المسلمين يؤكد أنّ مصطلح حوار الحضارات ما زال حبيس التنظير النخبوي ولم يتقدم قيد أنملة بإتجاه المجتمع الغربي , و نحن ندرك سعة الفجوة بين النظرية والتطبيق عندما يتعلق الأمر بحوار الحضارات الذي أسميته خواء الحضارات .. لأنّ الحضارة الغربية ولحدّ الآن لم تخلع ثوب الكبرياء الذي ترتديه ومازالت تنظر إلى بقية الحضارات من عل مادامت هي المنتصرة و مادام نموذجها هو المتفوّق كما قال فرانسيس فوكوياما صاحب نظرية نهاية التأريخ !!

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

nashiri logo clear

دار ناشري للنشر الإلكتروني.
عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

 

اشترك في القائمة البريدية