غياب التجانس السياسي،والتوافق المفاهيمي الأيديولوجي الذي هو عنوان حكومة المصالحة الوطنية الجزائرية،أصبح يثير جدلا مثيرا للغاية هذه الأيام داخل الأروقة النظامية تغذيه كما درجت عليه العادة الصحف اليومية.فالتشكيلية الحكومية على رغم الوصف الذي لقيته باكورة تركيبتها أنها صهرت ولأول مرة في التاريخ الجزائري كل الحزازات السياسية،وكل الأبعاد الأيديولوجية في بوتقة سياسية كبيرة واحدة بقيت للأسف تراوح مكانها،في كل المسائل التي من أجلها أنشئت،ولأجلها وجدت.فلم تستطع تجاوز خلافاتها الداخلية،كما لم تتقدم قيد أنملة في تغيير حال الجماهير التي أصبحت تجنح للتعبير عن ما يشغلها بالصمت القاتل،والانتحار ،أو مقارعة الجريمة ،أو الهروب بالمخدرات والمسكرات إلى اللاوعي،أو الفرار بالجلد خارج أسوار الوطن المستقل منذ أكثر من أربعين سنة.وقد نفهم سبب الانسداد الذي وصلت إليه الحكومة مع البرلمان في ما تعلق بقانون المالية لـ2005،وهو أن التركيبة البرلمانية في أغلبيتها لا تقاسم الحكومة توجهاتها السياسية.ولا تتفق مع تطلعات الحكومة،أو بالأحرى تطلعات بعض الوزارء الذين يوصفون بأنهم وزراء فوق العادة خصوصا وزراء القطاعات المهمة والإستراتيجية كعبد اللطيف ابن شنهو ،وشكيب خليل .والحكومة كانت تأمل من البرلمانين أن ينصاعوا إلى ما يستدعية واجب التحالفات السياسية،خصوصا الأحزاب التي تشكل التحالف الرئاسي المتمثلة في حركة حمس،وجبهة التحرير الوطني،والتجمع الوطني الديمقراطي.لكن خاب ظن الحكومة في أن التحالف الرئاسي تعثر في أول امتحان له.لكن تم تبرير هذا التعثر ،والمتعلق أساسا في رفض حمس،وجبهة التحرير الوطني للمادة التي تبيح استيراد الخمور في قانون المالية من طرف أحد قادة حركة حمس الذي أكد على أن المواد التي وردت في قانون المالية ليست جميعها يكون وراءها رئيس الجمهورية،وأردف قائلا أن هناك وزراء يتبنون مواد معينة،من بنات أفكارهم، ويختبئون وراء الرئيس للدفاع عنها. مما يعني أن التحالف الرئاسي لا شأن له بالواقع الحكومي،كما لا شأن له بالتركيبة العضوية لهذا التحالف أو بتلك الارتباطات التي تفرض على الجميع التكاثف،والتآزر.لكن ما لم نستطع هضمه في المفارقة العجيبة التي يعيشها التحالف الرئاسي،أن حزب التجمع الوطني الديمقراطي صوت لصالح المادة التي تبيح استيراد الخمور عكس حركة حمس وجبهة التحرير الوطني.فهل نفهم من أن التحالف الرئاسي موجود من أجل قضايا دون الأخرى،أم وجوده ينحصر أساسا في تقديم الدعم السياسي واحتضان قرارات رئيس الجمهورية.يقول أحد أعضاء التحالف.وعندما نمعن النظر في تركيبة التحالف الرئاسي،والطقم الحكومي،وما يقال دائما عن أن الجميع في خدمة سياسة عبد العزيز بوتفليقة.لا نجد ما نقوله صراحة في كل هذا الخلط البائن الذي يراد لنا أن نجيزه،ويتقبله عقلنا.فالتحالف الرئاسي موضوعه الرئيس كما يقول أقطابه أنه الخادم المطيع للرئيس عبد العزيز بوتفليقة،وهو هنا لا فرق بينه وبين الجمعيات العديدة التي كانت تنشط من أجل تدعيم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الانتخابات الرئاسية عل وعسى يجود عليها بسرة من المال،أو يتذكر رؤساء هذه الجمعيات بمنصب إداري يمارسون فيه،وبه طقوسهم الغلولية،ونزواتهم التسلطية،والحكومة في تركيبتها الأيديولوجية المتعددة تقول أنها حكومة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة،وعندما يطالب وزير المالية عبد اللطيف ابن شنهو من حلفائه داخل التحالف الرئاسي دعم قانونه للمالية الذي يعزوه لفخامة رئيس الجمهورية -وهو ما يكذبه أحد قادة حركة حمس-،ثم يأبى الجميع إلا الأرندي الذي سليقته السياسية تقول بأنه لا يرفض طلب السلطة ولو قيل له الق بنفسك في عرض البحر.فما هو الفرق بين الحكومة التي هي حكومة ائتلافية ،عنصرها الجوهري التكتل،والتحالف الرئاسي الذي هو الأخ الشقيق للحكومة،والجميع يدعون الوصل بمشروع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة .صحيح أن المشاريع الكبرى المتعلقة بتوجهات المجتمع هي التي وضعت التحالف الرئاسي في الثلاجة ،وليس شيئا آخر.لأننا لا نتصور رجلا كعبد العزيز بلخادم الذي كان يقول "لن أكون أبدا مع دولة جمهورية ذات خلفية لائكية" أن يقبل بأن يضع كل بيضه في سلة اللائكين،أو يتنازل مجرد التنازل للفيلق الفرانكوماني الذي يلهث من أجل علمنة المجتمع،وعلمنة النظام،والتشكيك في ثوابت الأمة من لغة ودين.ولن نصدق أيضا ما يقال عن أن التحالف الرئاسي يعيش الجمود بسبب الوضعية الداخلية لحزب الأغلبية جبهة التحرير الوطني،لأنه ببساطة التحالف الرئاسي ولد ميتا ووجوده كعدمه.وما ينطبق على الحكومة في دورانها حول نقطة ميتة منذ نشأتها بعد الرئاسيات،وتشتيتها لعمر الجزائر دون طائل،أو هدف يرجى.ينطبق على التحالف الرئاسي الذي انطلق من البداية من فراغ سياسي وبلطجة مفاهيمية.ولن ينتهي إلا إلى فراغ سياسي أيضا.لأن التوظيف السياسي للتحالف مبني على المغالطات الأيديولوجية والمعلوم من السياسة أن نجاح أي تكتل حزبي ،أو سياسي مهما كان يجب أن ينطلق من اتفاق مفاهيمي،ومن غير هذا الاتفاق المبدئي،فإن الوصول إلى مرفأ يضم الجميع من سابع المستحيلات،والتفرق سيكون حتميا اليوم أوغد.هناك من يحاول أن يعطي تبريرا بأن التحالف الرئاسي هو جبهة سياسية بديلة لما يعرف بالحزب القائم على كيان خاص كما هو معروف عن الأحزاب ،وسيكون هذا التحالف مستقبلا شبه حزب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ،وسيكون المرجعية الانتخابية فقط كما قال عبد العزيز بلخادم وزير الخارجية الحالي"سيجعل منتخبي أحزابنا في خندق واحد لإثراء وتزكية وتبني هذا البرنامج في الغرفتين"وقد وقع هنا في التناقض عندما صوت البرلمانيون التابعين لجبهة التحرير الوطني لغير صالح برنامج الحكومة.إن كل حزب من التحالف الرئاسي هو في حقيقة الأمر يريد أن يلعب لعبة التأثير على التحالف كي يكون الأوفر حظا سواء في التمثيل الحكومي،أو في التوفيق في خدمة السلطة.وفي كل الحالات اقتناص الفرص للتمدد أكثر ،والانقضاض على الغنيمة. وكما يقول عن التحالف منظر المشروع الإسلامي الذي أكل الدهر عليه وشرب أبو جرة سلطاني "سعينا من وراء هذا التحالف بناء ديمقراطية احترافية لا ديمقراطية هواة" لكن من دون توضيح طبيعة هذه الديمقراطية الاحترافية،وطبيعة ديمقراطية الهواة؟. هناك من أعطى تخمينا عن فكرة التحالف الرئاسي على أنها مقدمة كي تكون الساحة السياسية الجزائرية مستقبلا متضمنة لهذه الأحزاب الثلاثة ،فجبهة التحرير الوطني تمثل التيار الوطني ،وحركة حمس تمثل التيار الإسلامي ولكن moderne،والتجمع الديمقراطي يمثل التيار اللائكي اللطيف .ولكن هل يجوز لنا أن نطلق على هذه الأحزاب معارضة،وقد عرضت نفسها للبيع بالتقسيط المريح،أم نسميها تكتلات لها مبتغاها إلا العمل الحزبي المعارض.وهل يكبر أي يتحالف غذاؤه الأساسي التناقضات الأيديولوجية كما يبدو للعيان،وما ذا لو تكلم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وتبرأ من هذا التحالف ،كما تبرأ من الجمعيات الطفيلية التي التفت حوله في الانتخابات الرئاسية الأخيرة،فهل تبقى هناك استراتيجية يتكلم عنها التحالف الرئاسي..أم سيتم اختراع تحالف آخر في طبعة جديدة،وبديمقراطية جديدة؟؟؟؟

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

nashiri logo clear

دار ناشري للنشر الإلكتروني.
عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

 

اشترك في القائمة البريدية