من يتأمل فيما يطرحه المغرب حيال مسألة الصحراء الغربية" جبهة البوليزاريو" من مناوشات كلامية ،وتحركات ديبلوماسية رفيعة المستوى يفهم وكأن المشكلة بالدرجة الأولى جزائرية صرفة تخص الجزائر لوحدها.والمعلوم أن الصحراء الغربية منذ أن خرجت إلى الوجود في 1975 كقضية استعمارية تم مقايضتها مع الجانب المغربي من طرف أسبانيا.هي في المقام الأول مسألة تخص الصحراويين الذين لجأوا إلى الجزائر هروبا من الوضع الجديد المفروض عنوة من طرف الدولتين المغرب وأسبانيا. وجوهر المشكلة من الجانب المغربي لا يطرح على أن القضية هي في توظيف الجزائر لملف الصحراء الغربية ،بل في كون الجزائر برمتها هي الصحراء الغربية.وكما هو مشاع لدى النظام المغربي أن تندوف هي أراضي مغربية،وبما أن الصحراء الغربية" البوليزاريو" متواجدة في تندوف فالأرض والشعب ملكية مطلقة للمغرب.وعلى هذا الأساس المغرب يتعامل مع قضية الصحراء الغربية كقطعة من أراضيه وكجزء من تاريخه.ورغم أن المغرب اعتمد خطابا مزدوجا منذ 1981يقول في شقه الأول موجه للخارج على أن مشكل الصحراء الغربية يجب أن يحل باستفتاء شعبي يعبر فيه الصحراويون عن إرادتهم الحرة في إطار منظمة الأمم المتحدة ،وفي شقه الثاني موجه للداخل للمغاربة أن الصحراء الغربية مغربية ولا بديل لسيادة أخرى عليها سوى للمغرب.إلا أن ذلك الخطاب اتسم بشيء من اللاعقلانية ،وبشيء من اللامنطقي في ما يتعلق بمثل هكذا ملفات.فالمغرب وهي الجار الشقيق الذي له تاريخ مشترك مع الجزائر،وتربط بين الشعبين المغربي والجزائري أواصر المحبة والأخوة.كان من الواجب عليه أن ينظر في ملف الصحراء الغربية على أنه ملف استعماري محض .وكما يدعي بأن الجزائر أخذت من المغرب أيام الاستعمار تندوف،فالمغرب بدوره أيضا أخذ أكثر من تندوف من طرف الجانب الإسباني وبطريقة قذرة .هذا لو حسبناه بالمثل .واعتبرنا الجزائر أخذت تندوف بغير حق من المغرب.إن الاستعمار الفرنسي عندما دخل في 1830 الجزائر ،وهذا قبل أن تفكر فرنسا في أن تدخل المغرب كانت الجغرافيا محددة بدون حدود حسب الشواهد التاريخية،بل محددة وفق ماكان معترف به أيام الحكم العثماني .بل نستطيع القول أن الحدود الحالية محددة كما حددتها فرنسا ،على اعتبار أن فرنسا هي التي كانت تحكم الجزائر والمغرب.وقد طرحت القضية مع محمد الخامس و فرحات عباس ،ولخضر بن طبال لكن أجلت المسألة إلى ما بعد الاستقلال من أجل ترسيم الحدود.وبقي أوار المسألة الحدودية مشتعلا لا يفتأ أن يعود أشد اشتعالا كلما سنحت الفرصة للنظام المغربي في أن يفتحه.إن تطبيق اللائحة الأممية التي تنص على وجوب تطبيق توصيات جيمس بيكر،عطلت على ما تقوله الشواهد القائمة حاليا من قبل الجانب الغربي الذي كان دائما يحرص على تفريغ القضية الصحراوية من مضمونها بل لغرض دفع الجانب الصحراوي نحو فقدان الأعصاب،والقيام بأخطاء تشهد العالم على أن العنف هو الذي يسير قضية الصحراء الغربية.فالمغرب منذ أن طفت مسألة الصحراء الغربية على السطح وهو يسعى لقتلها بعامل الوقت تارة مع توظيف إعلامي يظهر حالات الاستنزاف التي تحدث للشعب الصحراوي هروبا من جحيم جبهة البوليزاريو نحو المغرب الأم،وبأسلوب ماكر لتبرير المطالبة بأن المشكل لا يعدو أن يكون نوع من الإرهاب تقوم به مجوعة إرهابية خارجة عن القانون تارة أخرى.وإلى جانب كل هذا توظيف القصر الملكي المغربي لورقة الجزائر كظهر يسند الصحراويين في أرضهم المزعومة.ومحاولة جر النظام الجزائري نحو وضع لا ناقة له فيه ولا جمل.قد تكون كل التبريرات في أن ملف الصحراء الغربية هو ملف جزائري بالدرجة ،تبريرات جلها رعناء لا أساس لها من الصحة بعد أن تم الاعتراف بالصحراء الغريبة كدولة تعيش حالة استعمار،سواء من طرف الجزائر التي يشهد لها القاصي والداني بأنها قبلة الثوار والأحرار،أو من طرف دول مستقلة كجنوب أفريقيا ،وفنزويلا ،فليست جبهة البوليزاريو فقط هي التي تم الترحيب بها في أرض الجزائر .فحركة فتح الفلسطينية على كثرة الضجيج الذي حدث حولها من قبل المنظمات الغربية المساندة للهيمنة الإسرائيلية ،إلا أنها بقيت مصانة معززة مكرمة في الجزائر . إنه دأب الجزائر في مثل هكذا مسائل خصوصا المتعلق منها بالحريات وتقرير المصير على غرار ما حدث مع تيمور الشرقية،والسور ينام.لأن الجزائر جربت ما معنى الاستعمار وما معنى أن حريات الشعوب تداس.إن المسار التعبوي التي تسلكه المغرب حيال الجزائر لا يجدي نفعا،إذا ما قدرنا العواقب التي تنجر عن كل ما تقوم به من تحريض إعلامي والنفخ في الرماد.فالجزائر بعافيتها اليوم ديبلوماسيا،كما أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ليس من ذاك المعدن الذي يستطيع المغرب أن يحرز عليه النصر.بدليل أن عبد العزيز بوتفليقة كل يوم يحيّد المغرب عن السرب العالمي،وكل يوم يسجل نقاطا لصالح جبهة البوليزاريو ومنه لصالح القضية المبدأ وهي تصفية الاستعمار من العالم .فلماذا لا يريد المغرب الشقيق أن يفهم بأن المبادئ لا تغيرها الظروف،كما لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تباع وتشترى؟.المطلب الوحيد الذي يجب أن يذعن إليه المغرب اليوم هو مطلب الشرعية الأممية،والامتثال للائحة الأممية التي جاء بها جيمس بيكر .أما وأنه يريد أن يلعب لعبة ديبلوماسية تجاوزها الزمن ،وخلط الأوراق.كما حدث مع فتح الحدود من جانب واحد ،وإلغاء العمل بالتأشيرة من جانب واحد أيضا حتى يتبدى وأن المشكل بين الجزائر والمغرب لا غير.ولعل القرار الذي اتخذته الجزائر عشية الاحتفال بالذكرى الخمسين لاندلاع ثورة الفاتح من نوفمبر والمتعلق بإلغاء الاستعراضات العسكرية،دليل كاف على حسن النية من جانب عبد العزيز بوتفليقة في أن المشكل لا يعدو أن يكون بين المغرب وجبهة البوليزاريو.ولو أن الاستعراضات العسكرية حق الشعب الجزائري .لكن النظام الجزائري ارتأى من وراء ذلك أن يكون بمنأى عن كل القلاقل الكلامية التي تريد المملكة أن تغرق فيها.وحتى تسكت بعض الأصوات التي تردد بأن المشكل هو مغربي –جزائري.التنكر للقرارات الأممية من قبل المغرب،والتمادي في تضخيم الأحقاد التي هي بالدرجة الأولى من طرف واحد.. لا تخدم المغرب ولو على المدى القصير. لأن النظام الجزائري لم ير منه للحظة ما يعطي انطباعا على أن المشكل مطروح مع المغرب،أو أن هناك أزمة بين البلدين .فعبد العزيز بوتفليقة ،أوحتى وزير خارجيته عبد العزيز بلخادم لم يستعملا ألفاظا تضرب المغرب أو شعبه .على عكس ما ذهب إليه مستشار الملك للشؤون الدستورية الدكتور محمد معتصم في حوار له بـ " جريدة أجور دوي لو ماروك" إذ قال " أن الحزم إزاء الجزائر سيعطي ثماره".. وأضاف في نفس السياق " لن نطلب من خصمنا التراجع،إذ سيحاول توجيه ضربات لنا وواجبنا هو تجنب تلك الضربات وتوجيه مزيد من الضربات له" بل وذهب سماحة المستشار في تطاوله وإذكاء نار الفتة عندما سئل عن نوع الحزم فرد " ولو يتعلق الأمر بي فأقول بأنه يجب أن يدعم المغرب الحكم الذاتي للقبائل والتوارق".. وعندما لم يجد ما يقوله هذا المستشار الفاضل حول المشكلة المطروحة بدأ يحكي حكايات العجائز فقال عن بوتفليقة" أجريت تحقيقا حول بوتفليقة ،لقد كانت له أثناء طفولته مشاكل بوجدة .لن أذكر ما هو نوع هذه المشاكل،لكن يبقى أن هذه المشاكل لا زالت في لا وعيه،إذ بقيت آثارها في ذهنه .وهذا ما يفسر حقده الحاد والعصابي إزاء المغرب" فأين هي الواقعية هنا،وهل بمثل هذه التصريحات التي لا تمت بصلة إلى الواقع بل تبدو وكأها تصريحات من تتحكم فيهم الطفولة العقلية.إن قضية الصحراء الغربية ليست قضية بوتفليقة لوحده،بل هي قضية الأمم المتحدة وما الفائدة التي ستجنيها الجزائر من وراء احتكار القضية وفي المقابل ماذا يجني المغرب من التطاول على الجزائر والتحرش بها في الصحف؟.ولو كانت نية بوتفليقة هي رفع بارومتر الصراع لأبقى على الاستعراضات العسكرية في الذكرى الخمسين لاندلاع ثورة المليون ونصف شهيد ولظهر كزعيم مفدى.ولكن حفاظا على شعور الإخوان في المغرب ،وشعورا بأن السلم أولى الأولويات.. وتأكيدا على أن قضية الصحراء الغربية لا تحل بالتهريج ولا بالتحرش الإعلامي ،ولا بالتهديد بالحرب بل تحل بالسياسة وغير السياسة.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

nashiri logo clear

دار ناشري للنشر الإلكتروني.
عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

 

اشترك في القائمة البريدية