تعتبر الإنتخابات الرئاسيّة في الجزائر حدثا غير عادي لإرتباطها عضويّا بالإرادات الحقيقيّة التي ترسم المسار السياسي للجزائر منذ إستقلال الجزائر سنة 1962 , و دعوة الشعب الجزائري للمشاركة في هذه الإنتخابات هو من قبيل الإيحاء بأنّ الشعب هو لاعب مهم في العمليّة الإنتخابية فيما هو لا يقدّم ولا يؤخّر في صناعة الرئيس الجزائري الذي سيتربّع على كرسي الرئاسة في قصر المراديّة . و هذه المعادلة لا تنطبق على الإنتخابات الرئاسيّة الجزائرية التي ستجرى في أبريل - نيسان المقبل إذا جرت في أحسن الظروف فحسب , بل هي معادلة واكبت النظام السياسي الرسمي في الجزائر منذ عهد الرئيس أحمد بن بلة الذي أوصله الجيش إلى سدّة الرئاسة منهياّ الخلاف بين ثوّار الأمس حول مسألة من الأولى بتولي الحكم في الجزائر بعد مغادرة فرنسا الجزائر .
و قد أطاح وزير الدفاع الجزائري هواري بومدين بالرئيس أحمد بن بلة سنة 1965 ليحققّ بذلك التزاوج الكامل بين الرئاسة والمؤسسة العسكرية الجزائرية التي كان بومدين على رأسها بل ليكرسّ الإتحاد بين المؤسسّة العسكريّة وحزب جبهة التحرير الوطني الحزب الحاكم الأحادي في تلك الفترة في الجزائر .
وبعد وفاة هواري بومدين أو إغتياله حسب تعددّ الروايات إختارت المؤسسّة العسكريّة العقيد الضعيف الشاذلي بن جديد الذي فاجأ إسمه جميع الرسميين في الجزائر وكان إختيار الشاذلي بن جديد مقصودا للإطاحة بعبد العزيز بوتفليقة ومحمّد صالح يحياوي أبرز المرشحيّن لخلافة هواري بومدين .
وللإطاحة بالإنتخابات التشريعية التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ أطاحت المؤسسّة العسكرية كما إعترف بذلك الجنرال خالد نزار وزير الدفاع في ذلك الوقت بالرئيس الشاذلي بن جديد فخرمت العملية الإنتخابية من أساسها وطعنت الشرعيّة لدى أول إمتحان لها في جزائر التعدديّة السياسيّة , و أضطرّت المؤسسّة العسكريّة أن تستغيث بالمناضل محمد بوضياف الذي كان منفيّا في المغرب لتغليب شرعيته التاريخية على الشرعية الإنتخابية ولإستغلال رصيده النضالي كونه من مفجرّي الثورة الجزائريّة سنة 1954ولما جرت تصفيته من قبل الملازم في الأمن العسكري مبارك بومعرافي , عينّت المؤسسّة العسكرية علي كافي رئيسا للدولة ثمّ خلفه وزير الدفاع اليامين زروال إلى تاريخ إجراء الإنتخابات الرئاسية سنة 1999 ففاز عبد العزيز بوتفليقة بهذا المنصب لأنّه كان مرشح الأقوياء وتحديدا بعد إنسحاب بقيّة المرشحين .
ولا يمكن القول أنّ عبد العزيز بوتفليقة وصل إلى قصر المراديّة – قصر الرئاسة – على صهوة الجماهير التي فقدت ثقتها كليّة في النظام السياسي الرسمي بل وصل إلى ما وصل إليه بإتفاق مع الكبار الذين يديرون اللعبة في الجزائر منذ الإستقلال شرط أن يلتزم بمجموعة شروط وإلتزامات على أن لا يحيد عنها أبدا بالإضافة إلى ضرورة إلتزامه بقواعد اللعبة المعروفة وغير المكتوبة بل هي معروفة لكافة الممارسين للعمل السياسي الجزائري .
وفي غضون السنوات الأربع عمد بوتفليقة إلى تكبير دور المؤسسّة الرئاسية كما حاول أن يكون رئيسا بصلاحيات كاملة حسب النصّ الدستوري ووقع أكثر من تقاطع بين الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وبعض الكبار , وذهب إلى أبعد من ذلك عندما زاحمهم في بعض مشاريعهم التجارية والإقتصادية من خلال تطويق مجموعة الخليفة ذي العلاقة الوثيقة ببعض كبار الضبّاط ولم تمرّ هذه دون أن يكتب اللواء خالد نزار وزير الدفاع المتقاعد الذي مازال يقحم أنفه في اللعبة السياسية الجزائرية كتابا يتحدث فيه عن الغنى الفاحش لبوتفليقة و دور أخيه سعيد بوتفليقة في جباية الأموال لحسابه وحساب أخيه الرئيس .
وبعد مجموعة كبيرة من التقاطعات بين الرئيس بوتفليقة وبين الكبار وصل الأمر إلى طريق مسدود فجرى تفجير اللعبة من أساسها ليشهد المشهد السياسي الجزائري إحتقانا ليس بين النظام السياسي وطرف من خارج النظام كما كان يحدث في السابق , بل هو إحتقان من الداخل وإنفجار من الداخل سببه تراكمات كبيرة أدّت إلى تمرد علي بن فليس إبن النظام السياسي الرسمي على رئيسه عبد العزيز بوتفليقة إبن النظام أيضا ولذلك اللعبة محصورة بين أطراف من داخل النظام الجزائري يحركّها المشرفون على النظام .
ومثل علي بن فليس كمثل ذلك اللاعب الذي تسللّ إلى منطقة الجزاء وكذا يسجّل هدفا وهو في حالة تسللّ دون أن يرفع الحكم الشارة لإيقافه فأدرك بوتفليقة اللاعب في قلب الهجوم اللعبة والتواطؤ بين الحكم واللاعب المتسللّ فركله ركلة قويّة فأسقطه في عين المكان وسط تفرّج الحكم الذي هيأ اللعبة والملعب , والجماهير المتفرجّة لم تدرك حقيقة ما يجري داخل الملعب .
والذي حدث أنّ بعض الجنرالات وتحديدا المحسوبين على خطّ الإستئصال أعطوا إشارات إيجابيّة لعلي بن فليس رئيس الحكومة السابق بأنّه رجل الجزائر المقبل وقد تخندق خلفه الكثير من دعاة الإستئصال بدءا برضا مالك و مرورا بالهاشمي شريف ووصولا إلى دعاة إستئصال الإسلاميين بالقوة من الواقع السياسي الجزائري , وأدرك بوتفليقة اللعبة وهو الذي يحاول أن يكبر على حساب الكبار وعهدة ثانية قد تعطيه فرصة كبار للقضاء على مراكز القوة رغم أخطائه الفظيعة فتحرك وبطريقة ذكيّة قاطعا الطريق على علي بن فليس مسخرّا مؤسسات الدولة و بعض فقهاء الإنقلاب من داخل حزب جبهة التحرير الوطني .
تماما كما إستغلّت المؤسسة العسكرية المحكمة الدستورية العليا وأجبرتها على إصدار قرار بحلّ الجبهة الإسلامية للإنقاذ , وبالمحصّلة فإنّ مؤسسات الدولة الجزائرية باتت لعبة في يد الكبار يسخرونّها لمآربهم السياسية .
ويبقى القول أنّ الملعب الجزائري محتقن وقد يصل إلى ذروة الإنفجار قبل الإنتخابات الرئاسيّة فبوتفليقة قطع الطريق عن الحصان الذي راهن عليه بعض الكبار , وليس أمام الكبار خيارات كبيرة لأنّ الذي يخرم اللعبة الأساسيّة لاعب محترف عاش في كواليس النظام ونشأ في نفس الدائرة التي أنتجها الكبار , فإمّا سيقلبون الطاولة على بوتفليقة أو يلجأون إلى حصان آخر غير علي بن فليس , ومهما كانت الخيارات فإنّ المفاجأة واقعة لا محالة في المشهد السياسي الجزائري , من هنا وإلى أبريل – نيسان القادم , خصوصا وأنّ طرفا نافذا قررّ أن لا يعطي لبوتفليقة فرصة ثانيّة وهو مصر على إفتكاكها !!

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

nashiri logo clear

دار ناشري للنشر الإلكتروني.
عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

 

اشترك في القائمة البريدية