قليلة هي الدراسات الأكاديمية التى تتناول "الطفل" كمحور أساسى للدراسة فى التراث الشعبى.لذا كانت أهمية عرض الدراسة التي أعدها د.لطفي سليم .
السيرة الشعبية هي ترجمة لحياة فرد أو جماعة,و يتم تتبع حياة الفرد أو الجماعة مع قدر وافر من المواقف التى تخلق الأحداث الدرامية. عموما تصنف السيرة الشعبية حسب أحداثها الى : - المرحلة الأسطورية , و هي الأقدم في الوجود التاريخي أو ما قبل التاريخ .
- المرحلة التاريخية, حينما بدأ كتاب السير يدركون القيمة التاريخية لتدوين أهم الأحداث
العربية قبل الإسلام و بعده .
- المرحلة العقلانية , و فيها يعتمد البطل على ذكائه و شطارته فى عصر ضعف الحكام فيه فى الدولة الاسلامية.وقد اتجه البحث الى دراسة مراحل نمو البطل فيما بعد.
:مرحلة ما قبل المولد..(مولد البطل الشعبى)
يحرص الرواة على إحاطة البطل بشغف و تحفز إلى انتظار مولده.و يتبدى ذلك من خلال الأحلام , التنبؤات أو الأمنيات مع رصد النجوم و الطالع و الكتب القديمة.. و كلها تسعى لأن تكشف عن طبيعة البطل إن كان خيرا أو شريرا. وهو ما بدا في سيرة عنترة (مثلا) فيرى الملك كنعان مناما هائلا, فاستدعى المنجمين.
: مرحلة ما بعد ميلاد البطل ..
يعلن البشير عن ولادة الطفل , فتقام الاحتفالات .. و تضاف الأوصاف العجيبة للبطل. و قد يصاحب مولده بعض المظاهر الكونية من أعاصير و أمطار و رعد و برق و غيرها. ففي ليلة ميلاد عنترة طلت أمه زبيبة تعانى إلى وقت السحر , فلما ولد بأوصافه المعروفة بدت تلك السلوكيات التي أثارت الدهشة .. إذ زام كما تزوم السباع عندما منعته أمه من الرضاعة, و عندما بلغ السنتين بدأ يلعب بين الخيام .
أما الطفل في الأمثال الشعبية , يلزم الإشارة إلى أنه لم يتم الاتفاق إلى تعريف قاطع مانع للمثل الشعبي . يقول "آرثر تايلور":"المثل أسلوب تعليمي بالطريقة التقليدية أوحى في أغلبها بعمل أو يصدر حكما.. وهو يتميز بالاختصار و التنغيم و المجازية في الأسلوب و الواقعية في صورة بلاغية".و هناك تعريفات أخرى .
لكل أمة مصدر هام للمؤرخ والأخلاقي والميثولوجي والاجتماعي..وعن طريقها يمكن معرفة الكثير عن أخلاق الأمم وعاداتها.وقد لوحظ أن الأمثال تتشابه يمكن متابعة موضع الطفل:
أولا: مكانة الطفل في الأسرة .. ففي البدء يكون الطفل ملتصقا بالأم للرضاعة و العناية و غيرها .. لذا قالوا عمن فقد أمه من الأطفال: " اللي ما لوش أم حاله يغم" أي أن من فقد أمه وهو طفلا يصبح في حالة سيئة مثيرة للحزن و الغم .
من الطريف أن الرأي العام إلى جانب الام التي فقدت جمالها و رونقها بسبب رعاية الوليد و يقولون عنها : " ما تبان البضاعة إلا بعد الحمل و الرضاعة" أي يدعون الزوج لأن ينتظر و يصبر على زوجته حتى تنتهي من مهمة الحمل و الرضاعة و تعود إلى نضارتها !
لتبدأ مرحلة تربية الوليد و قد تقسو الأم عليه و تضربه مثلا.. مع ذلك لا يخلو الموقف من العطف و لأن الهدف هو التربية و نشأة الصغير كي يصبح رجلا صالحا .. فيقول المثل:" أضرب ابني بنكفي في حجري" أو " ابن بطني يفهم رطنى".
هناك الكثير من الأمثال التي تتناول موضوع علاقة الوليد البنت أو الولد و مكانته في الأسرة. ففي حالة البنت وتربيتها من خلال علاقتها بالأم, يقول المثل :" قلب الأم زي ورقة السيجارة" .. " اللي يسعدها زمانها تجيب بناتها قبل صبيانها".. " لما قالوا بنية . قلت دى الحبيبة جاية"..
و مع ذلك هناك الكثير من الأمثال التي تحتفي بمقدم الولد: "يغلبك بالمال اغلبه بالعيال", " يا أم الولد حطي الولد في الجيب , الولد ذخيرة للعجز و الشيب". ومع ذلك هناك من الأمثال التي تهتم بالتربية: " الولد السو يجيب لأهله النعيلة( أو اللعينة).
كما ترعى علاقة الابن بالأب:"حلو القوام زي أبوه","الابن سر أبيه","أبو البنات مرزوق".
ثم علاقة الطفل بالتربية من الأمور الهامة التي ترعاها الأمثال : "ابنك على ما تربيه", " من أدب ولده صغيرا , سر به كبيرا", " الأدب فضلوه عن العلم " , " الأدب أفضل من النسب".
هناك العديد من الجوانب عالجتها الأمثال مع الطفل منها:عنف الوالدين مع الطفل..التدليل المفرط..الإهمال في التربية..الخلافات المستمرة بين الأبوين..مرافقة الصغير لأصدقاء السوء .. موت العائل ..الخ . لذا كانت هناك أمثال شعبية توجز مجمل ما يمكن أن يقال مثل:
" اللي ما يربهوش أبوه و أمه , تربيه الأيام و الليالي".
لم يهمل المثل موضوع التربية عموما , يقول : " ربى ابنك, و أحسن أدبه , ما يموت الا ان فرغ أجله".. "اللي مكتوب على الجبين لازم تشوفه العين ". كذلك لم تغفل الأغنية الشعبية الطفل منذ مرحلة ولادته .
: ففي مجال الفرح بالمولود الذكر ..
لما جالوا ولد .. انشد ضهرى و انسند
وجابوا لي البيض بجشره.. جلت عايم في الزبد
وفى أغنية أخرى تقول :
هي وهى وهى وهى / دا أنت مليت الدنيا ضى
منك صبى , و منك ضى / و منك تزيح الهم شوى .
وفى مناسبة "السبوع " أى بلوغ الوليد سبعة أيام من عمره:
برجالاتك , برجالاتك حلقة دهب في وداناتك
يا ربنا , يا ربنا يكبر و يبقى زينا(أو قدنا)
: كما أن الأغنيات الشعبية شاركت في العاب الأطفال, اغلبها يتسم بالطول و بالحوارية أو امكانية الغناء الجماعى .. منها:
الثعلب فات فات / و في ديله سبع لفات
يا طالع الشجرة هات / كمثرى و بلح أمهات
يا حلاوة على المدار / و اللعبة حلوة خالص
.. كما ارتبط الطفل بالمعتقدات الشعبية و بالعادات الشعبية .و هناك العديد من السلوكيات و الأغانى و غيرها التى تعبر عن أحاسيس و أفكار العامة من الناس . هذه العادات و المعتقدات التى يقل تأثيرها مع التعليم و تكاد تقل جدا بالمجتمعات المتقدمة .
فان زيارة الأولياء من العادات الشائعة مع الطفل,والمقصود هنا كرامة هؤلاء وهم صغار (أطفال) وكيف أن لهم كرامات وهم صغار..وتردد أثناء الاحتفال بالموالد (ذكرى مولد الشيخ)
وليلة روحت ع الدار .. تجرى و العرق تيار
تسمع في بطنها الأفكار .. من قبل ما يظهر و يبان
لما كمل تسع شهور .. جاها النبي في البيت يزور
وهناك معتقدات كثيرة مرتبطة بالطفل و الخضراوات و الفاكهة.. كل صنف له تحليل ما :
- الباذنجان ..تعتقد الأم المصرية (النفساء) إذا دخل عليها أحد بالباذنجان ينقطع لبنها.
- البصل .. يعتقد أن الجن اذا صحبت انسانا و أرادت أن تهدى اليه شيئا أهدت قشر البصل..فإذا طلعت الشمس انقلب ذهبا . كذلك آكل البصل في شم النسيم أو عيد الربيع .
عموما فالحكم على تلك المعتقدات يلزم معه دراسة احوال المرأة , ليس فقط فى اطار الامثال و الأغانى و السلوكيات و لكن فى اطار الدينامكية الاجتماعية , و الحراك الاجتماعى المتصل بالتعليم و انتشار وسائل التثقيف و أن الاعلام حاليا يلعب دورا هاما .