هذا الوجه من الإعجاز قد يكون هو الإعجاز الأعظم للقرآن الكريم، فلا نعلم كتابا صنع حضارة فوق الصحراء، امتدت إلى شتى أرجاء العالم، وأوجد أمة  من عدم، غير القرآن الكريم، ويتجلى الإعجاز الحضاري في ما يلي:
أولا: الإعجاز في صناعة النبي الذي كان خلقه القرآن
ثانيا: الإعجاز في صناعة الإنسان.
ثالثا: الإعجاز في صناعة أمة .

رابعا: الإعجاز في النظم الإسلامية.

خامسا: ثلاثة معجزات حضارية في مسيرة الأمة

سادسا: قيم الحضارة الإسلامية

وسندرس هذه الموضوعات بإيجاز يتناسب مع حجم البحث.

أولا: الإعجاز في صناعة النبي الذي كان خلقه القرآن

   كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل النبوة فردا من قومه، تميز عنهم بالصدق والأمانة ومكارم الأخلاق، ولكن في معظم أحواله كان بشرا مثلهم، ليس معه شيء من هذا القرآن، قال تعالى: (قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (يونس:16).

   فلما أنزل الله الوحي على نبيه أنشأه خلقا آخر، فإذا به عالم بالتوحيد والدين والخير والشر والدنيا والآخرة، قال تعالى: (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً)(النساء: من الآية113). وقال أيضا: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى:52).

لقد تحول النبي محمد بين عشية وضحاها إلى إنسان آخر، إنسان متميز يحمل الخير لأهله وقومه والناس أجمعين، ولما كان الداعية إلى الله يجب أن يسع الناس بأخلاقه، أوتي النبي صلى الله عليه وسلم محاسن الأخلاق، قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4). وعندما سئلت عائشة عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (كان خلقُه القرآن)1

وما كان لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يكون معلما ومربيا وقائدا وسيدا في الأرض والسماء لولا النبوة!

لقد تحول النبي محمد صلى الله عليه وسلم بعد الرسالة إلى:

   1. شاهد
   2. مبشر
   3. نذير
   4. داع إلى الله
   5. سراج منير، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً، وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً) (الأحزاب:45-46)
   6. شهيد، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً)(البقرة: من الآية143).
   7. وصارت طاعته طاعة لله، قال تعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) (النساء:80).
   8. ووجب الإيمان به وتوقيره ونصرته، قال تعالى: (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (الفتح:9).

وخصائص النبي التي تحدث عنها القرآن كثيرة، قدمنا طرفا منها، وما كان لرجل أن يتحول إلى معلم للناس ومرشد لهم في بيئة لا تملك من مقومات العلوم والتكنولوجيا شيئا لولا أن معجزة حصلت، فإذا كان موسى قد صنع على عين الله، قال تعالى: (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)(طـه: من الآية39)، فإن محمدا صنع على عينه أيضا سبحانه، وبمعجزة هذا القرآن الذي حوله إلى سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم.

 

ثانيا: الإعجاز في صناعة الإنسان

      لم تكن معجزة القرآن ذات أثر في النبي صلى الله عليه وسلم وحده، وإنما في الإنسان حيث كان، لقد أحيا الله بهذا الدين إنسانية الإنسان، قال تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام:122).

   كان الإنسان قبل محمد صلى الله عليه وسلم ذرة تائهة يعيش على الأرض، فمرة يعبد مظاهر الطبيعة من حجر وشجر وشمس ونار وغير ذلك، ومرة لا يعبد شيئا، فالعلاقة الرأسية مع الله منقطعة.

ويعيش بعقلية الغابة، فهذا حكيم العرب زهير، يقول2:

   ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه

                           يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم

   أنانية بغيضة، وكره للآخر، قال عمرو بن كلثوم3:

   وأنا الشاربون الماء صفوا

                     ويشرب غيرنا كدراً وطينا

   فالعلاقة الأفقية مع الناس منقطعة أو متكسرة.

وأما علاقته بنفسه، فكان محورها عشق اللذات الرخيصة، يجسدها قول طرفة4:

فلولا ثلاث هن من عيشة الفتى

                        وجدك لم أحفلْ متى قام عُوَّدي

فمنهنَّ سبق العاذلات بشربةٍ

                        كميتٍ متى ما تُعل بالماء تُزبد

وكري إذا نادى المضافُ مُحنبا

                        كسيدِ الغضى نبهته المتورِّد

وتقصيرُ يوم الدَّجنِ والدجنُ معجبٌ

                        ببهكنةٍ تحت الطراف المعمدِ

ولكن الإنسان بعد القرآن صار شيئا آخر، فقد صار يعرف ربه، والناس، ونفسه، فأما ربه فهو رب كريم سيلاقيه، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) (الانشقاق:6).

وأما الناس فإخوانه في الجنس والإنسانية، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات:13).

وأما نفسه، فقد بدأ معها رحلة التخلية والتزكية، لينال دار الخلود، قال تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) (النازعـات:40-41).

هكذا ولد الإنسان من جديد، ليعانق النداء الإلهي الذي يدعوه لما فيه خيره وسعادته من غير قهر ولا إجبار، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) (النساء:170)

ولد الإنسان الذي كان بالأمس يئد البنات، ليعلم أن المرأة شريكة له في صناعة الحياة، قال تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (الأحزاب:35)

هكذا تغير كل شيء في كينونة الإنسان بعد القرآن، فكأنه قد ولد من جديد، حيث راح يحمل قيم الإيمان والسمو والخير والمحبة للآخرين، أليست هذه أكبر معجزة تربوية في صناعة الإنسان المتحضر الإيجابي ـ والذي يستحق نعت الإنسان ـ عبر التاريخ كله؟!

ومن تأمل حياة الصحابة والتابعين، والسلف على وجه العموم، وجد نماذج إنسانية تستحق أن تنعت بوصف الملائكة، ولسنا هنا بصدد سردها، فذلك منثور في كتب الراجم والسير.

 
 
 

 

ثالثا: الإعجاز في صناعة أمة (ميلاد أمة) كان نواتها جيل الصحابة.

جاء الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أمة بسيطة، كان معظمها من الحفاة العراة الأجلاف، يعانون شظف العيش، ويكابدون الأهوال في حياتهم الاجتماعية.

وأما حياتهم الدينية فكانت مزيجا من الوثنية والديانات الأخرى.

وأما حياتهم السياسية، فلم تكن لهم دولة ولا جيش وإنما هم ثلة من القبائل المتناحرة، يلفها الجهل ويغشاها الظلام، وقد صورت كثير من الآيات حالة العرب في الجاهلية، فهم:

   1. أميون على ضلال، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الجمعة:2).
   2. وهم أعداء متناحرون على وشك الهلاك، قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران:103).
   3. وهم مجتمع ذكوري يكره الإناث، قال تعالى: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ) (النحل:58).
   4. وهم أهل خصام وجدل وعناد، قال تعالى: (وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) (الزخرف:58).
   5. وهم يرفضون الحق، قال تعالى: (وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (لأنفال:32).
   6. وهم أمة كلاسيكية درجت على تقليد الآباء والأجداد، قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) (البقرة:170).
   7. وهم مجتمع طبقي، يحتقر العبيد والطبقات الدنيا في المجتمع، وقد عرضوا على النبي مشروع الإيمان مقابل أن يطرد بعض أصحابه من العبيد والمستضعفين في الأرض، قال تعالى: (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) (الأنعام:52).

ولكن مع هذه الصفات السلبية، كانت هناك بعض القيم الإيجابية في المجتمع، من صدق الوعد، وحفظ الجوار، وإكرام الضيف ونحو ذلك.

فلما جاء القرآن، أعاد بناء الأمة ممثلة بجيل الصحابة رضي الله عنهم، فثبت ما كان سائدا من قيم إيجابية، وهدم القيم السلبية، أو صححها، وأقام على أنقاض هذا المجتمع الجاهلي كله خير أمة أخرجت للناس!.

أمة شعارها التوحيد، ومنهجها العدل، يتساوى فيها الناس جميعا أمام دين الله تعالى.

أمة قامت على ضعف إمكاناتها المادية فنشرت نور الله في مشارق الأرض ومغاربها، وأطاحت بظلم كسرى وطغيان قيصر.

أمة كان رجالها رهبانا في الليل فرسانا في النهار!

أمة نعتها الله بقوله: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (آل عمران:110)

أليست هذه معجزة كبرى للقرآن الكريم؟! وهل ثمة كتاب عبر التاريخ كله صنع مثل هذا؟

وحتى نعرف فضل القرآن على هذه الأمة، تعالوا نوازنها بغيرها، من خلال موقفين:

الموقف الأول في حياته صلى الله عليه وسلم، في غزوة بدر، حين استشار أصحابه في القتال، فكان للمقداد بن عمرو الكندي موقف سطره التاريخ، قال عبد الله بن مسعود: "لقد شهدت من المقداد مشهدا، لأن أكون أنا صاحبه أحبَّ إلي مما عدل به، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعو على المشركين، فقال: والله يا رسول الله! لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون} ولكنا نقاتل عن يمينك وعن يسارك ومن بين يديك ومن خلفك. فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرق لذلك، وسره ذلك"5.

فلله قوم يبايعون نبيهم صلى الله عليه وسلم على الجهاد والشهادة، وينصرونه ساعة العسرة، ويسطرون ملاحم المجد والخلود غير عابئين بهذه الحياة القليلة الفانية.

الموقف الثاني: بعد وفاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ مقارنا بموقف بني إسرائيل في حياة موسى عليه السلام، فهؤلاء قوم موسى عليه السلام، يشاهدون معجزاته، ويغرق طاغية العصور فرعون أمام أعينهم، يتركهم رسولهم ليناجي ربه، ويترك فيهم أخاه هارون النبي الرسول قائدا لهم في غيابه، فماذا حصل؟ لقد انحرفت جمهرتهم لعبادة الأوثان مرة أخرى، وكادوا أن يقتلوا هارون، ولم تنفعهم كل المعجزات الحية التي رأوها بأم أعينهم، وذلك حين اتخذوا العجل معبودا لهم من دون الله، قال تعالى: (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ) (الأعراف:148).

أما أمة محمد  صلى الله عليه وسلم فحين مات نبيها، وقف أبو بكر يقولها مدوية: "أيها الناس! من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. قال: ثم تلا هذه الآية: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) (آل عمران:144). قال: فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت حتى تلاها أبو بكر يومئذٍ"6

فالاتباع للمنهج وليس لشخص الرسول، وشتان شتان بين من يتبع شخصا يكفر إذا غُيِّبَ عنه هذا الشخص، وبين من يتبع دعوة لا ينكص عنها حتى يموت!

  من هذين الموقفين، ومن آلاف المواقف الأخرى التي لا نستطيع استعراض بعضها الآن، ندرك أن القرآن المعجز صنع أمة المعجزات، ولولا هذه الأمة لما وصل العالم اليوم إلى ما وصل إليه من تقدم علمي ومعرفي وتكنولوجي، فبفضلها قامت حضارة العصر الحديث، أليست هذه أم المعجزات التي صنعها القرآن الكريم؟!

 

رابعا: الإعجاز في النظم الإسلامية: الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

   الإسلام دين كامل، قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِينا)(المائدة: من الآية3)

وقد شملت تعاليمه جانبي الدين والدنيا، فمن قضايا الإيمان، إلى مسائل العبادات، فالعادات، فالمعاملات، كل ذلك تحدث عنه الدين الحنيف.

وقد صنف علماء السلف مسائل الدين والدنيا حسب الموضوعات، وكان للمحدثين تصنيف يختلف عن تصنيف الفقهاء، فعادة تبدأ كتب الحديث بكتاب الإيمان أو العلم أو بدء الوحي، وأما كتب الفقه فتبدأ بأحكام الطهارة لأنها مفتاح الصلاة.

في القرن الخامس جاء الإمام الغزالي فجعل كتابه الإحياء أربعة أقسام، وزعها على العبادات والعادات والمهلكات، والمنجيات.

وهكذا اختلفت مناهج التأليف، من حيث الشكل والموضوع، كما اختلفت منهجية الفهم والتعامل مع النصوص، فنظرة المعتزلي للنص أحيانا تختلف عن نظرة السني، وأدى هذا إلى إثراء المعرفة الإسلامية، فكثرة التأليف والاجتهادات والآراء هي من مظاهر الثراء الفكر ي والنشاط العلمي على العموم.

      أما في العصر الحديث، فكان هنالك من سار على مناهج القدماء، ووجد من سار بإطار مختلف، فبدأت دراسة الإسلام على أنه رسالة حياة، فيها جوانب روحية وتعبدية واجتماعية واقتصادية وسياسية ورياضية وصحية، وغير ذلك...

وأيا كانت المناهج المتبعة، فمن المؤكد أن القرآن غطى جميع جوانب الحياة على وجه العموم، وغطته السنة، على وجه التفصيل، وما استجد مما ليس فيهما يقاس على نظيره، فالمخدرات تقاس على الخمر مثلا في الحرمة، لعدم وجود نص يحرمها أصلا، إذ لم تكن معروفة في مجتمع مكة أو المدينة، وما لايوجد له قياس يستنبط حكمه بالنظر إلى مقاصد الشريعة ومصالح الناس... وهكذا نجد أنه ليس ثمة شيء من أمور الدين والدنيا إلا ونص عليه الدين الحنيف.

      وليست مزية التشريع الإسلامي في شموله ومرونته التي سببت توافقه مع مختلف البيئات والأزمنة وحسب، بل يضاف إلى ذلك ملائمة الفطرة، فليس ثمة شيء في الشريعة يجافي المنطق والعقل، أو يؤذي النفس والضمير.

      ومزية أخرى هي التوازن بين شئون الفرد والجماعة، والحرب والسلام، انظر إلى صلاة الحرب مثلا، كيف نظمها قوله تعالى: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً) (النساء:102) ، فلا تسقط الصلاة في الحرب التي تتطاير بها الرؤوس، كما أن الحرب لا تسقط بسبب الصلاة، , فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "يوم بني قريظة حين جهز إليهم الجيش:( لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة), فأدركتهم الصلاة في أثناء الطريق, فقال منهم قائلون: لم يرد منا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تعجيل المسير, ولم يرد منا تأخير الصلاة عن وقتها, فصلوا الصلاة لوقتها في الطريق, وأخر آخرون منهم صلاة العصر فصلوها في بني قريظة بعد الغروب, ولم يعنف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً من الفريقين"7

لقد تكلم القرآن عن الوضوء والصلاة والخشوع والزكاة ومصارفها والميراث والشورى والعدل والظلم، ولم يترك صغيرة ولا كبيرة من أمهات المسائل إلا وعالجها ضمن آياته، مباشرة أو بشكل ضمني، فمن أين لكتاب جمع نظم الحياة كلها بكافة جوانبها الدينية والدنيوية لو لم يكن من عند الله؟!

ثم إن هذه النظم والمناهج هي مجلبة الخير للإنسان في الدنيا والآخرة، والتاريخ خير شاهد على هذا، فكلما اقتربت البشرية من هذا الكتاب كلما اقتربت من الرحمة والبر والتواصل، وكلما تباعدت عنه كلما ازدادت طغيانا وكفرا، وما كان لهذا الكتاب أن يجمع جميع جوانب التشريع التي تحقق السعادة للإنسان إلا لأنه من لدن الذي يعلم السر وأخفى، إذ لم يتحقق لكتاب قبل القرآن ولا بعده أن يفعل معشار ما فعله هذا الكتاب التشريعي العظيم: القرآن الكريم.

وليست دراسة التشريع الإسلامي وما فيه من إعجاز وإنجاز ممكنة في هذا الموضع، وإنما هذه لفتة دالة، والتفصيل يحتاج مجلدات، وقد كتب كثيرون عن عظمة هذا التشريع، ومن  افضل ما كتب في هذا الصدد: التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي، والله المستعان.

خامسا: ثلاث معجزات حضارية في مسيرة الأمة

      في مسيرة هذه الأمة انتصارات وهزائم، وصعود وهبوط على مدى خمسة عشر قرنا، لعل أبرز ثلاثة محطات في تاريخها كانت الآتية:

   1. مرحلة فجر الدعوة وظهورها إلى القرن السادس الهجري
   2. مرحلة الانكسار الحضاري منذ دخول التتار بغداد سنة 656هـ حتى نهاية القرن الثالث عشر الهجري.
   3. مرحلة محاولة لصعود مرة أخرى، وبدأت من القرن الرابع عشر الهجري حتى اليوم.
 
   ثلاثة معجزات حضارية في تاريخ الأمة، بدأت من ولادة هذه الأمة من مكة المكرمة، وهي في واد غير ذي زرع ولا حياة، ولم تكن ثمة أي مقومات حضارية لهذا المكان في عمق الصحراء، فكان خروج هذا الدين العظيم من ذلك المكان الصحراوي معجزا كخروج ناقة صالح من صخرة في الجبل!

   انتشر نور الدعوة، وعم العالم، وركن العرب والمسلمون إلى الدعة والسكون، فكان لا بد لهذه الأرض الساكنة من أن تتحرك، فجاء الصليبيون ومن بعدهم التتار الذين استأصلوا جذور الخلافة الإسلامية من بغداد، وبدأ عصر الانحدار، فسنن الله لا تحابي أحدا، والله الذي يخرج الحي من الميت يخرج الميت من الحي أيضا، وهذا هو إعجاز القدرة الإلهية، فالحالة التي آلت إليها الأمة من الركون والاسترخاء والتكالب على الشهوات، وفرار أهل الصلاح من مواجهة المنكر وإيثارهم العزلة كل ذلك سبب ضعفا حضاريا، وسنن الله لا تتغير، قال تعالى: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً) (النساء:123). وقال أيضا: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الأنفال:53)، وقال جل من قائل: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (ابراهيم:7)، وفي الحديث عن زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم ـ  قالت: استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من نومه وهو محمر وجهه وهو يقول: (لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا) وحلق بأصبعيه: السبابة والإبهام، قلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال: (نعم إذا كثر الخبث) 8. فكثرة الخبث جعل طوفان التتار يجتاح الجميع، (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً) (الأحزاب:62).  

   في المرحلة الثالثة وتبدأ بعد الطوفان، انتصارات كثيرة على يد العثمانيين، وانكسارات أكبر بعد سقوط الخلافة العثمانية بفعل عوامل داخلية وخارجية عديدة، ووقع العالم الإسلامي فريسة للمستعمرين، ثم بدأت حركات التحرر والاستقلال، وقد بدأ المسلمون يتحسسون طريق النهضة بعد أن تحررت معظم بلدانهم من الغزو العسكري، بيد أنها ما زالت ترزح تحت الغزو الحضاري والفكري، ويقف المسلمون في انتظار المعجزة الثالثة، وهي نهضة العالم الإسلامي من جديد، فما زال في يده إكسير الحياة وهو القرآن الكريم، فلا يأس ولا قنوط برغم كثرة الجراحات.

هكذا هي دورة الحياة!

سادسا: قيم الحضارة الإسلامية

      جاء القرآن الكريم بكل القيم الحضارية التي تسعد الإنسان وتطوره، كما نهى عن كل القيم السلبية التي تسبب الضرر والتعاسة للإنسان، فمن ذلك:

   1. العدل، وهو قاعدة الحياة الاجتماعية عبر العصور لجميع الأمم، أمر الله به فقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) (النساء:58)
   2.
   3. الرحمة، وهي من صفات الرب الكريم والمجتمع السليم، قال تعالى: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) (غافر:7)
   4.
   5. التكافل الاجتماعي، وهو دليل وحدة الأمة وترابطها، قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا)(آل عمران: من الآية103)
 
   6. الحرية، وهي قاعدة من قواعد التكليف، فلا عبرة لكفر المكره أو إيمانه، قال تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:256).

   7. العلم ، وهو الطريق المؤدي إلى سعادة الدارين، قال تعالى: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً)(طـه: من الآية114).

   8. العمل ، وهو تابع العلم، ومكمله، قال تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة:105).
   9. المحافظة على الوقت ، وهي تفيد في برمجة أعمال الإنسان، وتحمل المسئوليات، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (يونس:5).

  10. المساواة وسيادة القانون، فالجميع عباد الله، ولا ميزة لجنس أو لون على آخر، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات:13).

  11. الشورى ، وهي قاعدة الحياة السياسية للأمة المسلمة، قال تعالى: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (الشورى:38).

  12. العمران ، فالأرض مسخرة للإنسان وعليه أن يعمرها، قال تعالى: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا )(هود: من الآية61).

  13. حقوق المرأة، لأن المرأة شريكة الرجل في التكليف والمسئولية، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم:21).

  14. السلام، وهو قاعدة الحياة الإنسانية في الإسلام، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (البقرة:208).

وهذه القيم تكاد تشكل الهيكل الفقري لكل الحضارات عبر التاريخ، والقاسم الشترك بينها، فلله ما أعظم هذه القيم التي نوه بها الكتاب الخالد، والتي من خلالها تستطيع أي أمة ان تجد لها مكانا تحت الشمس9.

      إن احتواء هذا القرآن على هذه القيم بشكل أساسي، إضافة إلى عشرات القيم الإيجابية الأخرى، ونهيه عن كل ما يعكر صفو الحياة، ويكدر حياة الفرد والجماعة، لهو إتجاز معجز بحد ذاته، فلله كيف يمكن لأمي أن يحيط بمثل هذا علماً لو لم يكن يوحى إليه! فتبارك الله رب العالمين!

_______________________________

    * الجامع الصغير، للسيوطي، نشر دار الفكر.
    * السيرة النبوية لابن هشام، قدم لها طه عبد الرءوف سعد، دار الفكر، بيروت، 1409هـ/ 1989م.
    * شرح القصائد العشر، للتبريزي، تحقيق د. فخر الدين قباوة، دار الآفاق الجديدة، بيروت، الطبعة الرابعة، 1400هـ/1980م.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية